نوفمبر 7, 2019 syr data

سوريا.. عندما تصبح النجاة سلعة لتجار الحروب

هيومن فويس: هبة محمد

تتوفر في سوريا، عشرات الأسباب والمسوغات التي تدفع السوريين للهروب من بلادهم نحو المنفى، بغض النظر عن الأفكار المنتقاة لعبور الطرق المجهولة، والقاتلة في أحياناً كثيرة نحو بر الأمان، ورغم نجاح آلاف السوريين في الوصول إلى دول الجوار، أو الانتقال من دول الجوار إلى الدول الأوروبية عبر شبكات التهريب، إلا أن مئات الهاربين من جحيم الحرب السورية، دفعوا حياتهم ثمناً خلال بحثهم عن حياة جديدة آمنة.

الهروب نحو المجهول

وائل- شاب سوري على أعتاب الدراسة الجامعية، وينحدر من ريف دمشق، وفي ذات الوقت هو بعمر الخدمة العسكرية الإلزامية، نزح مع عائلته من بلدته في الغوطة الشرقية قبل عامين، ليختار حي “قدسيا” في دمشق، للإقامة، ولكن مع اشتداد القبضة الأمنية للنظام السوري حول الشباب السوري، بهدف تجنيدهم عسكرياً وفرزهم على الجبهات المشتعلة، لم يكن أمام “وائل” سوى التخندق بمنزله وعدم التجول في الشوارع هرباً من الاعتقال التعسفي.

ومع استمرار الحرب في سوريا، قرر وائل بعد التشاور مع أصدقائه، الخروج نحو لبنان بشكل غير قانوني، مستخدماً شبكات التهريب التابعة لـ “حزب الله” اللبناني، وهي شبكات تنتشر بكثرة في العاصمة- دمشق، واضعاً بين عينيه هدف الجلوس على مقاعد الجامعة، بعد رفضه الشديد حمل السلاح مع أي طرف من أطراف الصراع في سوريا.

في منتصف شهر كانون الثاني- يناير من عام 2017، قرر “وائل” مغادرة دمشق، بعد اتفاقه مع “سماسرة-وسطاء” يعملون لصالح “حزب الله”، بنقله نحو الأراضي اللبنانية، عبر الخطوط العسكرية للحزب، مقابل ثلاثة آلاف دولار أمريكي، وهو ما يعادل مليون ونصف ليرة سورية.

كان آخر ظهور لـ “وائل”، الساعة العاشرة ليلاً بمنتصف يناير 2017، عندما ودع عائلته، وقصد الموقف الذي أرسله له وسيط حزب الله اللبناني برفقة والده، وانطلق في طريقه، مشيراً لهم بأن سيعاود الاتصال بهم، لحظة دخوله الأراضي اللبناني لطمأنتهم، ليكون ذلك آخر مشهد لـ “وائل” الذي اختفى عن الحياة منذ صعوده في إحدى سيارات حزب الله، الغير حاملة للوحة مرورية سورية أو لبنانية.

والد “وائل”، قال لـ “هيومن فويس”: ولدي، طلب مني عدم الإقتراب من السيارة التي حضرت لنقله نحو الأراضي اللبناني، بناء على طلب الوسيط، كما لم يخرج أحد من المتواجدين في السيارة المفيمة للحديث معه، وكان الموقف مختصراً للغاية، ولا يتجاوز الثواني العشرين، فقط قام مرافق السائق بالإشارة لولدي بالصعود في المقعد الخلفي للسيارة، وتنطلق بعدها السيارة، نحو الأراضي اللبنانية، وفق الاتفاق.

وأضاف والد الشاب السوري، منذ الـ 17 من كانون الثاني 2017، إلى يومنا هذا، لم يصلنا أي مكتوب أو اتصال أو خبر من أو عن “وائل”، فقد اختفى بشكل كامل عن الحياة.

كما قال، حاولت الاتصال بالوسيط الذي اتفق معه ابني مئات المرات، ولكن رغم أن هاتف الوسيط يرن، إلا أن أحداً لم يجب على اتصالاتنا، ولم نترك وسيلة للبحث عنه، بما فيها تقديم الأموال لضباط في مخابرات النظام، مقابل مساعيهم لايجاد وائل، عساه يكون معتقلاً في السجون بدمشق، ولكن لم نعثر على أي أثر له، وغيابه أصاب، زوجني-والدة وائل بأزمات صحية قد تجهز عليه، فهو الابن الأكبر، كما بحثنا عنه في غالبية مشافي دمشق الخاصة منها والعامة، ولكن لم نعثر على أي جديد.

وختم والد الشاب “وائل” بالقول: سأواصل البحث عن ولدي، فوق الأرض وأسفلها، لأجده، حياً كان أم ميت، ولكن لن تهدأ النيران في قلوبنا حتى نجده أثره، مهما كانت النتائج.

تجارة البشر

محمد الدمشقي، وهو ناشط سوري معارض للنظام السوري في دمشق، أكد لـ “هيومن فويس”، انتشار تجارة البشر عبر شبكات تتبع لمفايات محلية ذات ارتباط خارجي في العاصمة السورية، وأن عدة حالات وقعت مؤخراً، من اختطاف أطفال من أمام منازلهم أو خلال عودتهم من المدارس.

أما أقسام الشرطة في دمشق، ففي غالب الأحيان، تنتهي أجوبتهم، بتصنيف هذه الأعمال “ضد مجهول”، وتوقع “الدمشقي”، بأن مرتكبي هذه الجرائم، غالبا يتبعون لمافيات تعمل في بيع الأعضاء البشرية، مستغلين ظروف الحرب، في تكثيف أعمالهم بشكل أوسع، مقابل الحصول على الأموال.

استغلال الأطفال

لعل الشمال السوري، أحد أكثر المناطق التي تنتشر فيها أعمال التهريب وتجارة البشر، وذلك لعدة أسباب، أهمها، تهجير عشرات المدن والقرى نحو الشمال السوري، خاصة مع وجود شريط حدودي طويل على الحدود السورية- التركية.

فتقول “أم خالد” وهي سيدة سورية حاولت كثيراً العبور نحو الأراضي التركية عبر شبكات التهريب في إدلب: حاولت عدة مرات دخول الأراضي التركية، بهدف الوصول إلى المناطق البحرية فيها، للوصول إلى الجزر اليونانية، ثم الانتقال إلى أوروبا، للعيش مع عائلتي.

إلا إن المحاولات العديدة باءت بالفشل، وفي كل محاولة، يتقاضى المشرف على عملية التهريب، مبلغاً مالية يتراوح ما بين 300 إلى 500 دولار أمريكي، وعند الفشل النسبة العظمى من المهربين لا تعيد أيً من تلك الأموال.

وأكدت السيدة السورية، بان عدداً من شبكات التهريب نحو تركيا، تقوم باستخدام الأطفال الصغار، ككشافة على الحدود الفاصلة بين البلدين، منوهةً إلى إن استخدام الأطفال في هذه الأعمال، هدفه، كشف مكان تموضع عناصر حرس الحدود التركي، وساعات مرور الدوريات السيارة او الراجلة.

ونقلت “أم خالد” عن أحد الأطفال ويدعى “حاتم”، قوله: بإنه يتقاضى مبلغ خمسة آلاف ليرة سورية على كل جولة استطلاع حدودية، أي ما يعادل قرابة عشرة دولار أمريكي ويزيد.

ونوه الطفل المنحدر من دير الزور، البالغ من العمر تسعة أعوام، بانه يعمل في المهربين، لمساعدة عائلته في الحصول على المستحقات الشهرية للمنزل من تكلفة الإيجار وغيرها، وبأنه لم يتوجه للمدرسة منذ عامين، وأن والده قد قُتل بقصف جوي للنظام السوري في عام 2015.

الإعلامي والأكاديمي السوري “أحمد عاصي”، قال لـ “هيومن فويس”: التهريب يشكل واحدة من المشاكل التي يتعرض لها السوريون منذ سنوات، نظرا للظروف الصعبة التي تجبرهم على هجرة بلادهم والوجهة الأكثر طلباً، هي تركيا ونظرا للحدود الطويلة بين سوريا وتركيا فيوجد العديد من المنافذ التي يتمكن المهربين من سلوكها على الرغم من الاجراءات الأمنية المشددة التي تتخذها السلطات التركية لمنع الدخول الغير نظامي الى داخل أراضيها.

ونتج عن هذا الواقع، وفق ما يراه “عاصي”، ازدياد في أعداد المهربين من الطرفين الذين يقومون بنقل الفارين من الحرب من سوريا وايضالهم إلى الأراضي التركية، عبر طرق خاصة غير شرعية يعرفونها بين الأشجار والجبال والغابات المنتشرة في المنطقة الحدودية.

وتوقع “عاصي”، استمرار رحلة النزوح الواحدة، لليلة كاملة يضطر المهاجر خلالها للمشي في ظروف صعبة إضافة إلى ارتفاع اسعار التهريب، فالمهرب يأخذ مقابل الشخص الواحد ما يزيد عن 700 دولار مستغلا حاجة العديد من العائلات السورية، التي فقدت منازلها ولم تعد قادرة على البقاء في سوريا نتيجة ظروف الحرب المستمرة.

وتتزايد مشاكل التهريب بسبب استمرار حركات النزوح وعدم وجود جهة تستطيع ضبط المنطقة الحدودوية في سوريا اضافة الى تعامل بعض الفصائل في المنطقة الحدودية مع المهربين وتسهيل امورهم مقابل مبالغ مالية معينة تعود لصالحهم.

دوامة البحر

مخاطر الهجرة عبر البحار لا تقل خطورة عن مخاطر الهروب عبر البر، إلا أن السوريين، جازفوا في كلا الطريقين المهلكين بحثاً منهم عن بقايا حياة، فقدوا أدنى مقوماتها في سوريا خلال الأعوام الماضية.

محمد، شاب سوري في العقد الثاني من العمر، طالب سابق في جامعة دمشق، ركب البحر في أصعب الظروف، قاصداً أوروبا من مصر، التي لجئ إليها قبل ثلاثة أعوام.

ثمان ليالي متتالية قضاها محمد، مع عدد آخر من السوريين في عرض البحر، لينتهي بهم المطاف في وسط المياه، وسط ظروف قاتلة معنوياً وجسدياً، إلا أن مرور باخرة بالصدفة من مكان تعطل المركب المطاطي فيهم، وبداية غرقهم، كانت طوق نجاة لعشرات الشباب والفتيات.

يروي محمد، مشاهد مروعة من تجارة البشر التي يقوم بها المهربين لأجل الحصول على المال، إذ إن تلك العصابات تدعي بأنها ستقوم بنقلهم عبر سفن متوسطة الحجم، بعد تجاوز كيلو مترات بسيطة من الشاطئ بواسطة قارب مطاطي مقابل خمسة آلاف دولار أمريكي، إلا أن ذلك كان كله محض أكاذيب، ليصبحوا في عرض البحر لوحدهم، دون قائد للقارب المطاطي، ولا حتى أيً من أدوات الاتصال، حيث قامت عصابات التهريب بإجبارهم على رمي كامل الأجهزة المحمولة بالقوة والضرب.

فيما تقول “أحلام” وهي زوجة مهندس سوري، اختفى في عرض البحار، بعد 48 ساعة من ركوب مع 15 سورياً في عام 2016، مركباً مطاطياً من مصر، لتقول بعض الروايات فيما بعد بأن خفر السواحل المصري، قام بإطلاق النار على المركب بشكل مباشر، وإغراقه وسط البحر، مما جعلهم طعاماً للأسماك، في أقصى درجات الحرارة برودة.

إلا إن “أحلام”، خريجة اللغة الفرنسية من حمص، وسط سوريا، لم تفقد الأمل رغم مرور عامين على اختفاء زوجها، وقالت لـ “هيومن فويس”: لا أدري هي الأمنيات أو الحقائق، ولكنني لن أتقبل برواية انتهاء حياة زوجي، طعاماً للأسماك، وأنا لا زلت اعتقد بأن خفر السواحل المصري قام بإعتقالهم وسط البحار، ولا زال يخفي أثرهم حتى يومنا الحالي.

إلا أن واقع الحال، الذي تعايشه اليوم “أحلام” هو بأنها تعيش وحيدة في حالة معيشية مزرية في مصر، وتعاني أوضاعاً إنسانياً بالغة القهر مع ثلاثة أطفالها البنات.

فيما قال “أويس”، وهو لاجئ سوري وصل اليونان، قادماً من الأراضي التركية بطريقة غير شرعية، بأن أهم أسباب وفاة السوريين في عرض البحار، تعود لسبب رئيسي، وهو بان شبكات التهريب تقوم بتحميل القوارب المطاطية خمسة أضعاف قدرتها الفعلية، مما يؤدي إلى تعطل وغرق المركب وسط البحر، ومن ثم غرق من فيه، ونجاة آخرين.

تمّ انتاج هذه القصة الصحفية بدعم من منظمة “صحفيون من أجل حقوق الإنسان” الكندية (جي اتش ار).
%d