أكتوبر 29, 2019 syr data

مخيم الركبان وحكاية الموت البطيء

فريق صدى الشام

يستلقي “محمد” البالغ من العمر ثمانية أعوام على جنبه يبدو شاحبا لا يرد على نداء أمه، منذ الصباح لم يأكل، “محمد” النازح من مدينة حمص إلى مخيم الركبان مصاب بمرض السكري “نوع 1” المعروف بمرض سكري الأطفال، يقبع في وسط الصحراء مهددا بالموت ضمن ذلك المخيم الشبيه بالسجن.

تقول “أم محمد” لـ”صدى الشام” إن طفلها مصاب بالسكري منذ عامين، والمخيم يفتقر إلى الدواء وهو “حقن الأنسولين”، وهو بحاجة إلى حقنة كل يوم كي يتمكن من تناول الطعام ولا يمكنه أصلا أن يأكل كل أنواع الأطعمة ومعظم الطعام الموجود في المخيم يضر بصحة مريض السكري، مضيفة أن “حقن الأنسولين” لم تعد تتوفر دائما في المخيم بسبب الحصار المفروض على المخيم من قوات نظام الأسد.

ونظرا لانعدام الموارد في المخيم والحصار المستمر منذ سنوات ومنع النظام لدخول القوافل الإغاثية وإغلاق الحدود من قبل القوات الأردنية فإن وجبة واحدة يوميا هي ما تأكله “أم محمد” وأطفالها، مبينة أن تلك الوجبة تكون غالبا “برغل، شوربة عدس”، ومع استمرار ذلك الوضع فإن أطفالها مهددون بالإصابة بنقص التغذية وبأمراض أخرى.

ويقطن مخيم الركبان الواقع على مقربة من الحدود السورية الأردنية في وسط الصحراء القاحلة أقصى ريف حمص الشرقي، ويضم أكثر من سبعين ألف نازح معظمهم من ريف محافظتي حمص ودير الزور الذين فروا من قوات نظام الأسد والميليشيات الإيرانية المساندة له، وتنظيم “داعش”.

وبين البيوت الطينية التي بناها بعض قاطني المخيم الذي وصلوا إليه منذ إنشائه، تقيم عائلة “أبو وليد” الذي نزح من دير الزور هربا من عناصر تنظيم “داعش”، “أبو وليد” يعاني دوما من آلام شديدة في الكلى نتيجة وجود حصى، ويحتاج إلى دواء مسكن من نوع خاص لا يتوفر في المخيم، ما يضطره إلى استخدام المسكنات العادية إن توفرت.

يقول لـ”صدى الشام” إن المخيم فقير بالمياه النظيفة، وذلك يزيد من معاناته كونه مطالب بشرب كمية أكبر من المياه كل يوم، وعندما تتحرك الحصى في كليته يعاني ألما شديدا يصل به حد الصراخ والبكاء، والحقن المسكنة غير متوفرة في المخيم، والمسكنات المتوفرة هي عبارة عن مسكنات عادية كـ”السيتامول”.

 

وتنتشر في المخيم أوبئة وأمراض كثيرة ناجمة عن ظروف النزوح الصعبة وتلوث المياه في المخيم وارتفاع درجات الحرارة صيفا والبرودة شتاء، وتنتشر بخاصة أمراض مثل التهاب الكبد الوبائي الناجم عن قلة النظافة، وعدم توافر المنظفات لدى النازحين.

ومنذ بداية أكتوبر الجاري توفي رضيعان وامرأة مسنة في مخيم الركبان  نتيجة انعدام الرعاية الصحية، وقالت مصادر من داخل المخيم لـ”صدى الشام” إن الرضيعة هدى رسلان، التي تبلغ من العمر أربعة أشهر، توفيت في المخيم بعد تدهور حالتها الصحية في ظل عدم توفر حليب الأطفال، وعدم وجود طبيب مختص داخل المخيم.

وأضاف المصادر أن القائمين على النقطة الطبية التابعة لليونسيف في المنطقة، الواقعة على أطراف المخيم عند الساتر الحدودي بين سورية والأردن، رفضوا إدخال الطفلة لمعاينتها وتلقي العلاج رغم المحاولات المستمرة لذويها والتي استمرت نحو أسبوع.

وتوفيت سيدة مسنة مريضة للأسباب ذاتها، وأفاد مصدر من المخيم بأن “فايزة أحمد الشليل” (59 عاماً) من مواليد مدينة تدمر الواقعة في ريف حمص الشرقي، كانت تعاني انتفاخا في الجانب الأيمن الأسفل من البطن. وقد توفيت لعدم تمكن الأطباء من تحديد مرضها ومنع السلطات الأردنية دخولها إلى أراضيها، وأكد المصدر على أن “وضع فايزة الصحي كان يتفاقم يوما بعد يوم، بينما وقف الأطباء عاجزين عن تقديم العلاج لها في نقطة المخيم التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف).

وتجدر الإشارة إلى أنه في 20 سبتمبر 2018 ، توفي طفل يبلغ من العمر 14 عاما للأسباب ذاتها، وكانت السلطات الأردنية قد أغلقت النقطة الطبية الوحيدة وأعادت افتتاحها بعد ذلك.

ويأتي ذلك فيما تواصل روسيا الضغط على الولايات المتحدة الأميركية للخروج من منطقة التنف القريبة من المخيم وذلك بهدف إغلاق المخيم، تزامنا مع استمرار الحصار الذي يفرضه النظام على المخيم ومنعه وصول الإمدادات الإنسانية إلى المخيم منذ أكثر من ستة أشهر.

وبحسب مصادر، فإن قوات النظام تمنع وصول المواد الغذائية إلى المخيم، في سياق الضغط على آلاف العائلات للقبول بالتسوية المفروضة عليها (العائلات) بهدف إغلاقه، وأشارت المصادر إلى أن قوات النظام عرقلت عبور الشاحنات التي تنقل المواد الغذائية والتموينية، وسط حالة مأساوية في المخيم.

 

مراكز فقيرة

وفي مخيم الركبان الذي يبعد قرابة ثلاث كيلو مترات عن الحدود السورية الأردنية ويمتد على مساحة تقدم بسبع كيلومترات، يوجد مراكز طبية صغيرة، وهناك مستشفى أقامه بعض المتطوعين، وبالقرب من المخيم وهناك النقطة الطبية التابعة لمنظمة رعاية الطفولة والأمومة “يونسيف” التابعة للأمم المتحدة.

وتعاني المراكز الطبية والمستشفى في المخيم من مشكلات كبيرة أولها عدم وجود طبيب مختص في تلك المراكز كما أن جميع القائمين على المراكز والعاملين فيها معظمهم ممرضين أو طلاب كليات الطب في الجامعات السورية، و لم يكملوا دراستهم نتيجة ظروف البلاد، ويعملون بشكل طوعي في المراكز.

ويقول مصدر من العاملين في المراكز الطبية بالمخيم لـ”ًصدى الشام” إن المراكز هي عبارة عن منزل طيني صغير وخيام، لا يوجد فيها أي شيء من مقومات المراكز الطبية المعروفة أو المستشفيات، وتقوم بتقديم الخدمة للنازحين وفق القدرات المتاحة، وبالنسبة للمستشفى فقد تم بناؤه من الطين أيضا من قبل مجموعة من المتطوعين من قبل أهالي المخيم، وعن طريق جمع التبرعات تم الحصول على بعض الأجهزة، إلا أن المشكلة الأكبر تبقى في عدم وجود أطباء.

 

يفتقر المخيم لأدنى الخدمات الطبية
يفتقر المخيم لأدنى الخدمات الطبية

ويضم المستشفى أجهزة مثل أجهزة غسيل الكلى والتنظير وفحص السكر وتخطيط القلب، وتفتقر إلى الأدوية نتيجة الحصار المفروض على المخيم، كما يفتقر إلى أدوية الإسعاف.

ويضيف المصدر أن النقاط الطبية تفتقر إلى الأدوية الاسعافية وأدوية الأمراض المزمنة، كما أنه لا يمكن القيام بأي عمل جراحي في تلك المراكز ومهمتها القيام بالإسعافات الأولية وفق الموارد المتاحة فقط، فلا طبيب ولا دواء في تلك المراكز، في ظل الحصار وانعدام الدعم المقدم من المنظمات.

ودعت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” إلى السماح بوصول الخدمات الصحية للعالقين في مخيم الركبان. وقال المدير الإقليمي للمنظمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خيرت كابالاري في بيان له : “مرة أخرى، تعود “اليونيسف” لتناشد جميع أطراف النزاع والمؤثرين فيهم، تسهيل وصول الخدمات الأساسية والسماح بها بما فيها الصحية إلى الأطفال والعائلات”.

وأضاف بعد الحديث عن وفاة طفلين في المخيم: “بينما تواصل العيادة التي تدعمها الأمم المتحدة، والموجودة داخل الأردن على مقربة من الحدود تقديم الخدمات الصحية الأساسية لحالات الطوارئ المنقذة للحياة، فإن الحاجة تستدعي رعاية صحية متخصصة”.

وحذر كابلاري من أن “الوضع سيزداد سوءا بالنسبة لزهاء 45 ألف شخص، بينهم الكثير من الأطفال مع اقتراب الشتاء، خاصة عندما ستنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر، وفي ظروف صحراوية قاسية”.

 

تلوث المياه

ندرة المياه في المخيم واستخدام مياه ملوثة للشرب والاستحمام، ساهم إلى حد كبير في انتشار عدة أمراض بين قاطني المخيم، وتتفاقم المأساة مع غياب الرعاية الطبية الكافية المقدمة من قبل المراكز في المخيم.

ويقع المخيم في منطقة قاحلة لا تتوفر فيها المياه حيث يعتمد الناس على مياه البرك الناتجة عن الأمطار وهي مياه ملوثة بالطين والبكتريا وغير صالحة للاستعمال، إلا أن الحاجة دفعت بالناس إلى استخدامها، ويعمد الكثير من النازحين في المخيم إلى الاستفادة من تجمع مياه الأمطار في السهول والوديان والشقوق في منطقة البادية التي تحيط بالمخيم، ويقومون يجمعها واستخدامها بعد تركها مدة من الزمن كي ترقد الشوائب المختلطة بها.

وتسبب تلوث المياه بإصابة مئات الأطفال بحالات إسهال وأمراض مختلفة مثل التهاب الكبد والحمى والأمراض الجلدية واليرقان، ولا توجد إحصاءات رسمية عن عدد المصابين والمرضى في المخيم.

وخلال الصيف الماضي وفي ظل ارتفاع درجات الحرارة عانى أهالي المخيم من الجفاف كثيرا، وما زاد من معاناتهم الشح الكبير في المياه الصالحة للشرب والاستحمام، حيث يقوم الجانب الأردني بتزويد المخيم بكميات من المياه الصالحة للشرب، إلا أنه يقوم بتوريد كميات محدودة ويجب على قاطني المخيم قطع مسافة طويلة من أجل الوصول إلى مآخذ المياه عند الساتر الحدودي مع الأردن.

ويقول “أبو وليد” القاطن في المخيم لـ”صدى الشام” إن أطفاله يسيرون لمسافة أربع كيلومترات كل يوم للحصول على كمية من المياه الصالحة للشرب ويقفون في طابور تحت الشمس لساعات من أجل تعبئة المياه، ويضيف أن هناك باعة جوالة يبيعون المياه في المخيم أثناء انقطاع المياه من الجانب الأردني، إلا أن الفقر المدقع يمنعه من شراء المياه مما يضطره إلى الحصول عليها من البرك التي تخلفها الأمطار.

ويضيف “أبو وليد” أن مياه الشرب المستخرجة من بعض الآبار في محيط المخيم هي مياه ذات نسبة ملوحة عالية ومع ذلك فإنه يشرب منها على الرغم من وجود حصى في كليته نتيجة أوضاعه المادية المزرية، في حين أن بعض العائلات لا تستخدم هذه المياه إلا للغسيل والجلي، لكنها في المقابل تتكلف بمبالغ كبيرة يومية من أجل شراء المياه الصالحة للشرب، لأن سعر الليتر الواحد يقارب الدولار الأمريكي.

ويفتقر المخيم إلى أدوات تكرير وتصفية وتعقيم المياه التي كانت توفرها الأمم المتحدة ضمن قوافل المساعدات التي تدخل إلى المناطق المحاصرة من قبل قوات نظام الأسد.

 

أمراض معدية

ويؤكد عضو تنسيقية تدمر “أبو بكر السالم” لـ”صدى الشام” أن أمراضا سارية ومعدية تنتشر في المخيم وخاصة بين الأطفال منها التهاب الكبد A ،بالإضافة على الإسهال وسوء التغذية. فضلا عن الأمراض التي تصاحب قدوم فصل الخريف كالزكام والنزلات الصدرية، والتهابات المجاري التنفسية وغيرها من الأمراض التي تعتبر من الأمراض الشائعة والمنتشرة في المخيم الذي أصبح عبارة عن مدينة من البيوت الطينية المنكوبة بكل المقاييس الإنسانية.

وفي شهر حزيران من عام ٢٠١٦، فجر تنظيم “داعش” سيارة مفخخة بنقطة حدودية أردنية ما أسفر عن مقتل وإصابة عدد من عناصر حرس الحدود الأردني، وعلى إثر هذه الحادثة أغلقت الأردن حدودها بشكل كامل في وجه المدنيين النازحين والقاطنين في المخيم، وبات وصول المرضى إلى الداخل الأردني أمرا شبه مستحيل.

وأكد السالم أنه توفي رضيعان، خلال أقل من 24 ساعة، في الثامن من الشهر الحالي بينهما الرضيعة “هدى رسلان”، التي تبلغ من العمر أربعة أشهر، حيث توفيت في المخيم بعد تدهور حالتها الصحية في ظل عدم توفر حليب الأطفال، وعدم وجود كادر طبي داخل المخيم.

وفي وقت لاحق، توفي أيضا الرضيع “مناف الحمود”، الذي يبلغ من العمر عاما وشهرين، لعدم توفر الرعاية الصحية في المخيم.

ويردف السالم قائلا: “يشكو أغلب النازحين من النقطة الطبية وسوء معاملتها ولا يتم تحويل أي حالة بحاجة لدخول المشافي الأردنية، إلا بعد المماطلة والأخذ و الرد و وصول الشخص المريض إلى حالة شديدة السوء، وتوقفت لفترة لكنها عادت للعمل، وفي المقابل هناك إهمال شديد من الكوادر الطبية حيث يتعاملون مع المرضى بشكل لا إنساني وخارج عن الأخلاق الطبية ومعاييرها.”

وقال مصدر طبي في المخيم لـ”صدى الشام” إن من الحالات الصعبة التي كانت في المخيم هي حالة المريضة “فايزة الشليل”(59  عاما) و التي توفت بعد معاناة مع المرض، ورفضت النقطة الطبية التابعة لليونيسيف إدخالها بعد مراجعتها للنقطة الطبية التابعة لها داخل الحدود الأردنية مرتين، حيث كانت تعاني من ورم دموي خلف الكبد وتضخم بالكبد وتم توثيق حالتها قبل وفاتها من قبل عدة جهات إعلامية بمحاولة لمناشدة النقطة الطبية الترأف بحالتها ونقلها لإحدى المستشفيات الأردنية بغرض تأمين العلاج الملائم لها، حيث كانت فايزة تناشد من يملك ضمير إنساني لمساعدتها.

أما الحالة الثانية وهي حالة الشاب “أسامة عبدالله” الذي يقف عاجزا أمام المرض ويعيش حالة صراع مع الموت في الوقت الحالي، وأجري له عمل جراح تم استئصال كتل دموية من جسده، وتم إجراء فتح شرج مضاد للطبيعة عنده وهو يحتاج الآن للعلاج على وجه السرعة كون حالته تتفاقم بشدة وبات غير قادر على الحركة كما أن نقص التغذية أدى إلى تراجع كبير في وظائفه الحيوية مع فقدان شديد في الوزن، بحسب ما يشرح ناشطون داخل المخيم.

 

النازح أسامة عبد الله
النازح أسامة عبد الله

أما المريض “غيثان شحادة الخضر” والذي تجاوز الخمسين من العمر يعاني من انقراص في الفقرات وانزلاق في الغضاريف، ما يحد من حركته بشكل كبير، ويجعل من الصعب عليه التنقل، وتتفاقم حالته الصحية يوما بعد يوم لعدم حصوله على أية أدوية قد تساعد في الحد من مرضه أو ثبات حالته عند حد معين.

 

معاناة النساء الحوامل

أما بالنسبة للنساء الحوامل ففي هذه الأرض الصحراوية القاحلة من المحتمل أن تكون الولادة حدثا مميتا، كما أنه من الصعب الحصول على إحصائية لمعدل المواليد في الركبان بسبب عدم وجود أي نظام طبي معترف به على مستوى المخيم، كما تم إغلاق جميع العيادات الأهلية داخل المخيم والتي كانت تدار من قبل ممرضين قاطنين في المخيم.

وتعاني النساء اللواتي يحتجن إلى عمليات قيصيرية، من رفض أردني لإدخالهن عبر الحدود حسب شهادات الأهالي، وعند محاولة أي امرأة عبور الحدود لإجراء عملية الولادة، يتم إرجاعها إلى المخيم لتلاقي مصيرها هناك.

ولكن نساء يعشنَ داخل المخيم شرحنَ لـ “صدى الشام” أنه في بعض الحالات اضطرارية يتم إدخال النساء لفترة محدودة إلى الداخل الأردني، ولكن هذه الحالات الاضطرارية يتم النظر فيها قبل الوفاة بفترة قصيرة.

وعن معاناته مع طفلين مريضين يقول “عمر قشعم” وهو أحد قاطني المخيم لـ”صدى الشام”: “منذ عدة أشهر ونحن نعيش معاناة بسبب قلة الغذاء المتوفر الذي أثر على الأطفال سلبا، وذلك بعد أن قطعت الأمم المتحدة المساعدات الغذائية على المدنيين.”

وأضاف “قشعم” أن الأطفال لايستطيعون الصبر على وجبة واحدة يوميا أو وجبتين في أحسن الأحوال، لأن أجسادهم أصبحت ضعيفة ولا تحتمل ولم تعد قادرة على المقاومة.

وشرح قشعم حالته: “لدي طفلان مصابان بالإسهال والتهاب الكبد، ولا أدوية متوفرة لعلاجهما سوى ما أستطيع تأمينه بين فترة وأخرى من مضادات حيوية، ونلجأ الآن لما يتوفر من أعشاب في المخيم لعلاجهم بالطرق التقليدية التي لاتجدي نفعا ولكنها تبعد الطفلين عن حدود الخطر، موضحا أنه لا يمكن لهذا الحال أن يستمر ولا سيما أن الطفلين يعانيان من نحو شهرين.

ويناشد “قشعم” الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية للتدخل لإنقاذ حياة الأطفال فقط دون غيرهم لأنهم لا ذنب لهم في هذا الحصار الذي يفرضه النظام على المخيم وقال: “أين ضمائر هؤلاء الذين يعملون لأجل حقوق الإنسان ويجتمعون في المجالس والمؤتمرات الدولية؟ أليس لديهم أطفال يمرضون أو تمر بهم حالات سيئة؟ هل من الممكن أنهم لايملكون مشاعر ولا يتألمون مثلنا على مرض أطفالهم؟” موضحا أن أكثر ما يحزنه كأب أن يكون عاجزاً أمام رمض اطفاله ولا يستطيع أن يفعل لهم شيئا وقال: “بالنسبة لي لم يعد باليد حيلة وأفضل أن أموت قبل رؤية أولادي يموتون أمام عيني بسسبب المرض الذي يفتك بأجسادهم الطرية”.

ويدعو “قشعم” الأطباء والممرضين في النقطة الطبية التابعة لليونسيف داخل الحدود الأردنية إلى الرأفة بأهالي المخيم واستقبال أكبر عدد ممكن من الحالات الإنسانية، كون هذه المنظمة تتحمل المسؤولية عن معاناة الأهالي والوفيات التي تقع بين المدنيين، موضحا أنه في حال عدم تدخلهم فإنهم شركاء في جريمة الحصار والتجويع التي يمارسها النظام، وذلك بسبب تقاعسهم الشديد في استقبال المرضى وإدخالهم للمشافي داخل الأردن.

ويرزح قرابة 46 ألفا من سكان المخيم تحت وطأة العواصف الغبارية والرملية في الصحراء التي تسبب أمراضا في الجهاز التنفسي، حيث أصبحت هذه الأمراض حالة عامة تصيب الجميع هناك، كما أن طرق التبريد التي تستخدم أوقات الحرار الشديدة هي طرق تقليدية لاتكفي لمواجهة حر الصحراء، حيث يعتمد الأهالي على خفض درجة حرارة أطفالهم باستخدام المناشف المبللة بالمياه، التي كانت تجف سريعا و لا تجدي نفعا.

وبالنسبة للشتاء ومعاناته يشرح “كريم العنتري” وهو أحد قاطني المخيم لـ”صدى الشام” أنه قلق بسبب عدم وجود أي أدوات تدفئة لوقاية الأطفال من الأمراض والبرد قائلا: “ليس هناك سوى الملابس القديمة وقصاصات الورد وبقايا الإطارات والأحذية التي يتسبب اشتعالها بصدور دخان أسود سيء الرائحة، ويؤدي للسعال لدى الأطفال، لكن المعادلة هنا تصبح إما الموت من البرد أو الموت بالدخان السام الصادر عن هذه الأشياء التي في الأصل لا تصلح للإحراق ضمن خيمة أو بيت طيني.”

ويضيف “كريم”: لدينا معاناة شديدة هذا الشتاء فيما لو استمرت الأمور على ما هي عليه، لأن البرد سوف يؤدي إلى وقوع وفيات وخصوصا بين الأطفال وحديثي الولادة، بسبب عدم وجود بيئة صحية لهم للعيش فيها.

وتجلس “سلمى المطلق” وهي تبكي عندما يتألم طفلها لأنه لم يعد بمقدورها تحمل حالته الصعبة، تقول إنه لا يستطيع النوم لا في الليل ولا في النهار وقد بلغ عمره عاما ونصف العام، ويعاني على الدوام من الحرارة المرتفعة والإسهال بسبب سوء التغذية، ولا ينال نصيبا كافيا من الطعام ليقوى جسمه على المرض، كما أنها اضطرت لفطامه عندما وصل عمره لعام تقريبا كون جسدها منهك وجف حليبها.

 

مناشدة

وقبل أيام وجه نازحو مخيم الركبان رسالة “استغاثة” إلى كل من الأمم المتحدة ومنظمة اليونسيف والأردن، طالبو فيها بإنقاذ عشرات آلاف من النازحين بعد أن أحكمت قوات النظام حصارها على المخيم، ومنعت دخول المساعدات والمواد الطبية إليه.

وحمل القاطنون في مخيم الركبان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ورئيس الحكومة الأردنية، والأمين العام لليونيسيف، المسؤولية الأخلاقية تجاه المدنيين، وإنقاذ الأطفال الذين يموتون جوعا داخل مخيم الركبان، في “ظل صمت دولي” على ما يجري داخل المخيم.

وأعرب النازحون عن استيائهم من إغلاق نقطة اليونيسيف في وجه المرضى، ومنعهم من متابعة العلاج في المشافي القريبة، معتبرين أن استمرار الوضع سيسبب كارثة، لا سيما أنه منذ عشرة أيام لم يدخل إلى المخيم دواء أو غذاء، أو حتى ماء صالح للشرب.

وقبل أيام بدأ النازحون في مخيم الركبان اعتصاماً مفتوحاً للمطالبة بدخول المساعدات الإنسانية وحملوا الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والأردن مسؤولية تدهور الوضع الصحي والمعيشي لهم بعد أن أدارت ظهرها وتوقفت عن مساعدتهم.

وفي وقت سابق، أعلن مستوصف “شام” الطبي في المخيم أنه أحصى 14 حالة وفاة خلال الأسبوعين الماضيين، بسبب نقص الرعاية الطبية.

وشهدت مدينة بزاعة بريف حلب الشمالي الشرقي أمس الاثنين وقفة تضامنية مع النازحين في مخيم الركبان الذين يعانون من قلة المواد الغذائية والطبية جراء حصار النظام.

وطالب المشاركون في الوقفة المجتمع الدولي والمنظمات بتحمل مسؤوليتها تجاه مخيم الركبان، منددين بالصمت الدولي عما يحدث في المخيم، كما طالبوا باتخاذ كافة الإجراءات لإنقاذ سكان المخيم وعدم الضغط عليهم من أجل القبول بمصالحة النظام.

 

التسوية

وفي نهاية سبتمبر الماضي تحدثت مصادر محلية أن وفدا من قاطني مخيم الركبان عقد اجتماعا مع وفد من نظام الأسد لمناقشة عمليات “التسوية” برعاية روسية أردنية.

ونقلت شبكة “فرات بوست” المحلية أن وفد النظام ضم مندوبين عن نظام الأسد، بينما ضم وفد الركبان، وجهاء من المخيم، حيث التقى الوفدان بالقرب من مفرق جليغم على حدود منطقة الـ 55 كم لنقاش عمليات “التسوية” مع النظام.

وأوضحت الشبكة أن وفد الركبان طالب بعلاج 150 حالة مرضية متواجدة ضمن المخيم في العاصمة دمشق، مع ضمان حصول كل حالة مرضية على “تسوية” سواء للمنشقين أو المتخلفين أو الاحتياط.

وبحسب الشبكة شملت البنود المتفق عليها بين الوجهاء ووفد نظام الأسد، طرح فكرة انتقال عدد من قاطني مخيم الركبان نحو الشمال السوري.

وطالب الوجهاء النظام بتقديم ضمان حقيقي للتسوية وبعدم ملاحقة الراغبين بالتسوية في حال قرروا العودة للمناطق التي تسيطر عليها قواته في البلاد.

ونقلت وسائل إعلام روسية عن ممثل وزارة الخارجية الروسية، “نيكولاي بورتسيف” أن الجانب الأميركي اقترح على الروس تسوية مشكلة الركبان من خلال إجلاء النازحين إلى الأراضي التي تخضع لسيطرة النظام، لكن لم تتم مناقشة العملية المحتملة.

وتروج روسيا من خلال إعلامها لفكرة إفراغ المنطقة من مخيم الركبان عبر نقل المقاتلين والرافضين “مصالحة” النظام إلى إدلب ونقل بقية النازحين إلى مناطق سيطرة النظام مقابل عدم السماح للميليشيات الإيرانية بالتقدم إلى تلك المنطقة التي تعتبر حاليا ضمن المنطقة المحرمة من قبل التحالف حول قاعدة التنف.

ويرى مراقبون أنه قد يلجأ التحالف الدولي لاحقا إلى تفكيك قاعدة التنف وتسليم منطقة المعبر لقوات النظام والقوات الروسية شريطة عدم تواجد الميليشيات الإيرانية في المنطقة وبقاءها على بعد مئات الكيلومترات في القواعد التي احتلتها في محافظتي حمص وحماة.

ويشار إلى أن النازحين في مخيم الركبان باتوا ورقة ضغط تستخدمها مختلف أطراف الصراع في سوريا، فبينما تحاصر الميليشيات الإيرانية المخيم بقطع الطرق تمنع الأردن المساعدات الإنسانية عن المخيم وبالتزامن مع التصريحات الروسية حول العرض الأمريكي، يستمر الغياب التام لواشنطن التي تقود التحالف الدولي عن المشهد حاليا.

وتقول مصادر محلية إن التحالف بقيادة واشنطن منشغل حاليا في تدعيم قاعدة التنف وتدريب فصيل “جيش مغاوير الثورة” الذي يقطن معظم ذوي مقاتليه في مخيم الركبان، وتعتبر تلك القاعدة النقطة الأهم في مسألة قطع الطريق أمام إيران، ولا تستبعد أن يكون لاحقا فصيل “مغاوير الثورة” شركيا لروسيا في المنطقة كما فعل فصيل “شباب السنة” في درعا.

 

تم انتاج هذه القصة الحقوقية بدعم من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR ومؤسسة دونر الكندية Donner Canadian Foundation .

اكتشاف المزيد من بيانات سورية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading