يناير 16, 2020 syr data

دور المجالس المحلية المنتخبة في التصدي لـ “جرائم الشرف” في سورية

سامر الأحمد – جيرون

في الحادي والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، انتشر مقطع مصور على وسائل التواصل الاجتماعي، لرجل يُدعى “بشار بسيس”، وهو يقتل أخته (رشا) بإطلاق عشرات الرصاصات عليها من بندقية آلية، بهدف ما قال إنه “غسل للعار”، وبتحريض من شخص يقف بجانبه، في حادثة تتكرر في بعض المناطق السورية، ويستغل هؤلاء القتلة ما كان يجيزه القانون من تخفيف للعقوبة، تحت بند “العذر المحل”، ويُطلق على هذا النوع من الجرائم “جرائم الشرف”.

لم يُعرف حتى اليوم مصير القاتل (بشار) هل نال العقاب القانوني أم لا، لأنه هرب من جرابلس إلى ريف حماة، مع توارد أنباء عن قيامه بتسليم نفسه لـ (هيئة تحرير الشام) من دون تفاصيل عن مصيره حتى اليوم. وقد لاقت هذه الجريمة استنكارًا واسعًا من قبل ناشطين سوريين ومنظمات مجتمع مدني، حتى إنهم أطلقوا حملة، على وسائل التواصل الاجتماعي، بعنوان (جريمة لا شرف) تعبيرًا عن رفض هذا النوع من الجرائم الذي ارتبط بعادات وتقاليد مجتمعية، وليس له أصل قانوني أو شرعي، ودعت الحملة إلى تحمّل جميع الجهات المعنية (المحاكم والشرطة والمجالس المحلية) مسؤوليةَ توعية المجتمع.

شهدت عدة مناطق في سورية انتخابات مباشرة لاختيار مجالس محلية، كما حصل في مدينة سقبا بريف دمشق عام 2017، وفي سراقب بريف إدلب 2017، وقبل عدة أشهر في بلدة عينجارة بريف حلب الغربي، إلا أن مسألة الحد من (جرائم الشرف) لم تكن مطروحة بشكل مباشر في البرامج الانتخابية، أو في برامج عمل هذه المجالس المحلية، وذلك لعدة اعتبارات منها عدم وضوح مهمات المجالس، باعتباره مؤسسة خدمية لا تتدخل في المجتمع.

وفي ذلك، قال أسامة الحسين، وهو رئيس مجلس محلي ومرشح سابق في سراقب، في حديث إلى (جيرون): “مناقشة هذه المواضيع في المجالس المحلية لم تطرح في الغالب؛ لأن الجهد الأكبر موجه نحو إشراك المرأة في عملية الإدارة، باعتبار المجالس كانت مؤخرًا ذات طابع ذكوري”. وأضاف: “نظام المجالس المحلية المنتخبة في سورية كان أمرًا جديدًا، باعتبار أن سلطة النظام سابقًا حصرت مهمات المجالس البلدية بالأمور الخدمية، ولذلك لم يتم طرح مسألة (جرائم الشرف) في المجالس، بذريعة أنها ليست من اختصاصات المجالس، بل من اختصاص القضاء والشرطة”.

من جانب آخر، قالت أم محمد -طلبت عدم كشف اسمها لأسباب أمنية- وهي مرشحة في انتخابات مجلس محلي عينجارة، لـ (جيرون): “ترشحنا لانتخابات المجلس المحلي التي نظمت قبل عدة أشهر، وركزنا خلال الحملة الانتخابية على ضرورة تمكين المرأة، ولم نأتِ على ذكر (جرائم الشرف) بالتحديد، بل دافعنا عن حقوق المرأة، ودعونا إلى مناهضة العنف الأسري والعنف القائم على النوع الاجتماعي بشكل عام”.

تعمل المجالس المحلية في ريف حلب الشمالي اليوم، على تأمين احتياجات المدنيين، كما أنها تُسهم بشكل ما في نشر التوعية، بالتعاون مع أجهزة القضاء والشرطة، لتحسين الحياة العامة في ريف حلب الشمالي، وأكد ذلك عبد خليل، رئيس مجلس جرابلس المحلي، حيث قال: “سياسة المجلس تقوم على محاربة التطرف بكل أشكاله الدينية والاجتماعية، وضرورة الخضوع للقانون المدني الموجود في المدينة، ولا نشجع على أي تصرف فردي، ويتمثل دور المجلس باتباع سياسة التوعية، عن طريق المدارس وخطباء المساجد، والاحتكام إلى القانون وعدم الاحتكام إلى التقاليد والعادات البالية”، وأضاف خليل لـ (جيرون): “الأمر يحتاج إلى وعي اجتماعي كبير، ونحن نشجع المنظمات على نشر الفكر الرافض لهذه الأمور، ونحتاج إلى حملات منظمة، ودعم من كافة الجهات في المدينة”.

من غير المتوقع أن تشهد مدن إعزاز وجرابلس والباب وعفرين وبقية بلدات ريف حلب، أي انتخابات للمجالس المحلية في المرحلة الحالية، ولكنها قد تشهد هذه  الحالة مستقبًلا، من أجل أن تأخذ دورها في التوعية الاجتماعية، وخاصة قضايا العنف ضد المرأة و(جرائم الشرف)، وفي ذلك قال ياسين هلال، رئيس فرع نقابة المحامين الأحرار في حلب، لـ (جيرون): “المجالس المحلية، عندما تكون منتخبة وذات سلطات واسعة، يمكنها أن تحمّل المسؤوليات، لأن المجلس المنتخب يكون ممثلًا لإرادة الناس، الذين هم أبناء الأرض، وهم أخبر بأسباب مشكلاتهم وطرق حلها، وخاصة ما يتعلق بمسألة ما يسمى (جرائم الشرف) وفق خصوصية كل منطقة، وفهم ثقافتها، وتكون هذه المجالس المنتخبة بوصلة للمشرعين، لصياغة قوانين أكثر ملائمة لكل منطقة”.

هذا النوع من الجرائم أشار إليه قانون العقوبات السوري في المادة 584، حيث كان يعفي القاتل من العقوبة، بينما طرأ عليه تعديل عام 2009 نصّ على أنه “يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته، في جرم الزنا المشهود، أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر، فأقدم على قتلهما أو إيذائهما “، ثم صدر عام 2011 تعديل آخر أطال مدة العقوبة حتى سبع سنوات، بوجود العذر المخفف.

أضاف هلال: “هذا النوع من الجرائم (جرائم الشرف) نادر الحدوث في ريف حلب، وتؤكد أرقام المحاكم صحة ذلك، فقد تم تسجيل 2000 قضية جنح في محكمة بداية الجزاء في إعزاز، و1000 جناية خلال السنوات الماضية، عدد (جرائم الشرف) بينها لم يتجاوز 5 في كل منها، والقضاء يتعامل مع مرتكب هذه الجريمة كمجرم، ومن غبر المقبول التذرع بأي حجة، لأن معاملتها بالعذر المخفف ستسهم في انتشار الجريمة بهذه الحجة”، كما أكد أحمد الحسون النائب العام في جرابلس عدم حصول أي “جريمة من هذا النوع في جرابلس، منذ جريمة بشار البسيس، وذلك إثر إطلاق حملات، بالتعاون بين القضاء والمجلس المحلي ودائرة الأوقاف، من خلال إرسال الدعاة إلى المخيمات وإلقاء محاضرات توعوية حول هذا الأمر”.

دعا الحسون إلى تظافر الجهود بين المجالس المحلية والقضاء ومنظمات المجتمع المدني “لمنع ارتكاب هذه الجرائم، والتشدد قانونيًا بمنع الفحشاء في المجتمع والدعوة للتحلي بالمسؤولية تجاه ما يسمى (جرائم الشرف) وتعزيز ثقافة احترام الثقانون وتجريم القتل بغير الحق، وأهم أسباب انتشار الجرائم هو غياب القانون وضعف فعاليته، وعدم توفر الجرأة لدى النساء للاعتراض على قيام الرجل بقتل أحد أقاربه بسبب العادات والتقاليد”.

تُعد هذه الجرائم مخالفة واضحة لحق الإنسان في الحياة، حيث يخالف بشكل أساسي المادة الثالثة من (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) التي تنص على أن “لكلِّ فرد الحق في الحياة والحرِّية وفي الأمان على شخصه”.

تنتشر (جرائم الشرف) في عدة بلدان عربية، وفي سورية كشف رئيس غرفة الجنايات بمحكمة النقض في حكومة النظام عام 2016 أن (جرائم الشرف) تضاعفت أربع مرات، عما كانت عليه قبل 2011، مع العلم أن سورية كانت تحتل المرتبة الثاثة عربيًا بعدد (جرائم الشرف) آنذاك.

قبل عام 2011، حاولت عدة جهات مدنية وسياسية الضغط على الحكومة آنذاك لإلغاء القانون الذي يتيح العذر المخفف، كما حاولت عدة أحزاب سورية طرح الموضوع للنقاش في مجلس الشعب، كما يؤكد محمود الوهبالبرلماني السابق وعضو هيئة رئاسة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري الموحد، مضيفًا: “لطالما طرحت قضية (جرائم الشرف) في الدوائر الاجتماعية والقضائية والإدارية عمومًا، وأعتقد أنَّ بعض أعضاء مجلس الشعب السوري أثاروا هذه القضية أكثر من مرة، على هامش مناقشة القوانين التي تتعلق بحقوق المرأة، وفي عدد من جلساتهم المفتوحة على القضايا العامة، ولكن أقصى ما توصل إليه فيما بعد هو رفع سقف عقوبة القاتل. وثمة اتفاق على أنَّ جريمة الشرف من موروث العادات والتقاليد الزائفة، والمسألة تكمن في الثقافة المتوارثة التي لم يستطع النظام الذي يزعم العلمانية أن يتجاوزها”.

 

مدينة جرابلس، ريف حلب الشمالي، جيرون 2019

 

لم تكن الحياة السياسية في سورية قبل 2011 تسمح بطرح نقاشات ومشاريع غير مرضية للسلطة أو يمكن أن تثير جزءًا من المجتمع، وكان بإمكان رئيس الجمهورية رد أي قانون إلى مجلس الشعب، إن لم يوافق عليه، لذلك لم تنجح الأحزاب التي لها ممثلون أعضاء في مجلس الشعب في التصدي بقوة لمسائل مثل جرائم الشرف وغيرها، يقول الوهب: “الحزب الشيوعي السوري الموحد يدين الجريمة حتمًا، ويرفضها، لكنه -فيما أعتقد- لم يسع عبر نوابه في مجلس الشعب لاستصدار قانون يلغي مادة العذر المخفف للعقوبة في هذا الشأن، ربما كان مهتمًا بالشأن السياسي والاجتماعي/ الاقتصادي (المعيشي) ولعله لم يرد الاصطدام برجال الدين أو ببعض العقليات من الحقوقيين”.

رابطة النساء السوريات

تولَّت متابعةَ هذه المسألة في الحزب الشيوعي آنذاك منظمةُ (رابطة النساء السوريات) التي تعمل تحت إشراف الحزب الشيوعي، وقيادتها نساء شيوعيات منظمات، كما أكدت سميرة البهو، عضو سابق في الرابطة، حيث قالت: “ركزت المنظمة نشاطها على المطالبة بحقوق المرأة، وطرحت مسألة جرائم الشرف عدة مرات، ولكن النضال في سبيل اكتساب حقوق المرأة كان يصطدم بالسلطة. مثلًا عندما طرحت الرابطة مسألة حق منح المرأة السورية المتزوجة من أجنبي جنسيتها لأولادها؛ تبنى النواب الشيوعيون هذا الأمر، ومعهم نواب كثر، لكن مشروع القانون أوقف في القصر الجمهوري”.

تبقى جريمة قتل رشا بسيس عالقة في أذهان السوريين، بانتظار تطبيق العدالة على القاتل، لتكون رادعًا لكل من يحاول تكرارها مستقبلًا، مع المطالبة ببذل مزيد من الجهود من المؤسسات القضائية والشرطة والمجالس المحلية المنتخبة، للإسهام في تمكين القانون والقضاء المدني، ونشر الوعي اللازم بين المدنيين، للتخلص من هذا الموروث الذي يهضم حقوق المرأة، ويجعلها عرضة لأبشع أنواع الترهيب وربما الاستغلال.

  • تم إنتاج هذه القصة الحقوقية بدعم من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR وصندوق الأمم المتحدة لدعم الديمقراطية UNDEF

 

اكتشاف المزيد من بيانات سورية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading