نورا اسكاف
منذ بداية الحرب في سورية ومنذ ما يقارب السبع سنوات يخيم جو من الظلام والدمار والاستهداف اليومي بالطيران وكل انواع الأسلحة المستخدمة من النظام السوري و حليفته روسيا ضد مناطق سيطرة المعارضة وهنا يقبع الأطفال في البيوت والشوارع والمدارس بحذر وترقب وخوف من لحظة غدر لا ترحم ضعفهم منهم من فقد والده أو أبويه ومنهم من أصيب بعاهات جسدية و نفسية و منهم من ذاق تهجيرا و فقرا و بردا و جوعا و مرضا و يصر الجهل ان يكون أقسى ما ينتظر مستقبل هؤلاء الأطفال.
فأي علم و تعليم و المدارس بحكم التهجير المستمر و الترحال للأطفال و اسرهم من مكان لآخر تحولت ملاجئ تؤوي النازحين او تأخذ صفة المستشفى الميداني بحكم توقف المشافي الاساسية عن العمل و دمارها من قصف النظام عليها كما اخبرنا الاستاذ محمد حمادي النازح من ريف حلب الى ريف ادلب و يدرس في احدى المدارس للمستويين الابتدائي و الاعدادي في مدينة معرة النعمان يقول انه اضافة لما سبق فالوضع يزداد سوءا حاليا و في ظل الاقتتال الداخلي الحاصل في المنطقة بين جبهة النصرة و فصائل الجيش الحر يفضل الاهالي ترك اولادهم دون تعليم على تعريضهم لمزيد من الخطر هذا عدا عن حالة النزوح الى مناطق اخرى و ان اشد ما يؤلمه حينما يبدأ القصف او تحليق الطيران و يرى حالة الرعب و الفزع تملئ المدرسة و عيون تلاميذه و انه هو نفسه خائف فمهما حاول تهدئتهم لن يفلح بقدر كبير
و ها هو احد تلاميذه عبد الله طفل من معرة النعمان في ادلب لم يتجاوز العشرة اعوام يتحدث لنا عن تأثير الحرب على تعليمه و حياته و يقول كنا نذهب للمدرسة و نعود بأمان و اتمكن من حفظ و تذكر موادي التي اتلقاها في المدرسة اما في هذه الايام و في ظل الحرب فأنا أذهب خائف و اعود خائف و لا استطيع فهم او تذكر ما اخذناه في المدرسة فنحن في طريق العودة من المدرسة الى البيت يبدا تحليق الطيران و يقصف قربنا و هكذا تحولت رحلة العودة من المدرسة بعد ان كنا نستمتع باللعب و الاحاديث انا و اخوتي و رفاقي بدأ كل شيء يتحول لخوف يضيف عبد الله اشعر ان مستقبلنا تدمر كليا بفعل الحرب
عبد الله ليس وحده من ضاع مستقبله كما ختم فالكثير غيره من اطفال سوريا حرموا من تعليمهم ايضا عدا عن حالة الفقر و الحرمان و اضطرار كثير منهم للالتحاق بعمل لمساعدة اهلهم و اصابات بعض الاطفال بالقذائف و القصف و الاعاقات التي ترافقهم طوال حياتهم
عمار شقيق عبد الله ذو ١٦عام يحدثنا عن قصته و عن حرمانه من حقه في التعليم و عن اصابة الحرب التي تلقاها و يقول لقد اثرت الحرب في بشكل كبير فقد اضطررت لترك تعليمي قبل ان احصل على الشهادة الاعدادية و منذ حوالي العام و نصف اصبت بضربة من قصف الطيران الذي كان قرب منطقتنا و تسببت لي بعجز جزئي في قدمي ما حال دون قدرتي على مزاولة عمل شاق نسبيا او حتى متابعة دراستي لان سني تجاوز السن المقبول للشهادة الاعدادية الآن اشعر بالخسارة على كل الصعد.
يخبرنا الاستاذ محمد حمادي عن ما يعانيه قطاع التعليم ايضا من نقص الكوادر و ضعف الكفاءات بسبب الهجرة اضافة لحالة عدم الاستقرار المكاني و النفسي للمدرس و الطلاب و توقع و ترقب الغارات من الطيران او القذائف افي اي وقت و ما يرافقها من حالة هلع و رعب حقيقي بين الاطفال و حتى المدرسات و الاحتماء بالأقبية الى حين توقف الغارات كل هذا اضافة الى حرمان تنظيم الدولة الارهابي و جبهة النصرة المناطق التي سيطر عليها من العلم و محاولتهم نشر الجهل و الافكار المتخلفة والتضييق على المدرسين و الطلاب و حتى المناهج التي لا تتفق مع ما جاؤوا به كل ذلك كان كافيا لازدياد اعداد الطلاب المتسربين من المدارس و توجه الاهالي لمنع ابنائهم من متابعة تحصيلهم العلمي و خاصة الفتيات خوفا من اذيتهن و توجه بعض الاطفال للذهاب الى العمل لمساعدة الاهل في تأمين قوت يومهم بدلا من الذهاب للمدرسة.
و في تقرير للجنة الانقاذ الدولية نشرته صحيفة لوس انجلس تايمز الأميركية اكدت ان قرابة ٧٥’١مليون طفل في سوريا غير ملتحقين بالمدارس.
و ذكر التقرير انه وفقا لدراسة استقصائية اجريت على نحو ٣٠٠٠طفل في خمس مدارس شمالي سوريا لم يتمكن اكثر من نصفهم من حل مسألة رياضية مخصصة لسن ٧سنوات في حين كانت اعمارهم تقارب ١٣عام في اشارة الى سوء و تردي مستوى التعليم و الأداء عند الطفل.
في حين حذرت منظمات حقوقية دولية كمنظمةsave the childrenمن ان عد الاطفال السوريين المتسربين من المدارس تخطى المليوني طفل داخل و خارج سوريا ما سينعكس حتما على انشاء جيل مليء بالجهل و المشاكل كما اكدت ان معظم الاطفال في سوريا يعانون درجات عالية من العنف النفسي و الجسدي.
و في هذا الاطار تحدثنا الاختصاصية في علم النفس الاستاذة اماني سندة عن مشاكل الطفل في الحرب و اثرها نفسيا و صحيا و تقول قد يكون الزمن كفيلا بنسيان الطفل للصور و المشاهد المؤلمة التي رآها امام عينيه من دمار و قتل و خوف لكن من المستحيل ان يمحى الاثر الذي سيبقى في نفسه و روحه و ان الصدمات تختلف من طفل لآخر و من مرحلة عمرية و الاهم بحسب نوع و صعوبة و قسوة التجربة و تقول الاستاذة اماني ان اثار الحروب و الصدمات ستتضح اثارها على المدى البعيد و هذا ما يعرف في الطب النفسي ب مصطلح ما بعد الصدمة.
أما على صعيد التعليم فبدأ من عدم التركيز في المدرسة و العدائية احيانا و عدم الرغبة في الذهاب للمدرسة اضافة الى الخوف و انعدام الشعور بالأمان و البكاء و الاستيقاظ ليلا من الكوابيس و مواجهة الاهل حالات السلس البولي في عمر متقدم لأبنائهم و ربما ترافق الطفل خاصة في المرحلة الابتدائية تهيئات اذا لم يكن هنالك وعي من الاهل و متابعة من اختصاصيين قد تؤدي الى تفاقم الحالات و ربما في بعض الحالات تصل الى توقف النطق حتى دون سبب عضوي و انما بعامل نفسي اضافة الى اصابة الاطفال و المراهقين خاصة بالاكتئاب و حالات فوبيا جديدة عليهم كالخوف من الظلام او نفور من الاجتماع بالآخرين او الضجيج.
و من هنا تقول الاستاذة اماني انه لا بد من تفعيل التعاون و وجود آلية عمل متكامل اثناء و بعد الخروج من الصدمة او من اجواء الصراع و الحرب بين الاسرة من جهة و المختص النفسي و الاجتماعي لجلسات دعم نفسي اجتماعي لعلاج الاطفال وبين المؤسسات التربوية و المنظمات الاهلية و الدولية و وضع سلسلة برامج مشتركة لمساعدة الاطفال في تخطي او تجنب المزيد من الآثار السلبية للحرب.
عندما سألنا عبد الله عن احلامه قال بابتسامة ممزوجة بخجل طفل احلم بالأمان و بأن نستطيع العودة وبناء بيتنا الذي دمره الطيران و ان نعيش بسلام كما كنا قبل الحرب.
أما عمار فيحلم ايضا بانتهاء الحرب و بأن يتمكن من علاج ساقه و عودتها طبيعية و ان يعود لمتابعة تعليمه.
ما يزال الصراع قائما في سوريا و ما يزال الاطفال كل يوم يكبرون داخل سوريا و يكبر داخلهم شبح اسمه الحرب يأكل من احلامهم و يتغذى على اجسادهم و نموهم و يشوه ذاكرتهم و مستقبلهم كي لا يكبر شبح الحرب على ارواح و اجساد اطفال سوريا علينا جميعا افراد و اسر و مؤسسات محلية و منظمات دولية ان نسعى لتأمين اقل ما يمكن من مقومات الحياة و بيئة أمنة لمستقبلهم.