سامر الأحمد – جيرون
“لقد كنت سعيدة جدًا، بمشاركتي في انتخابات المجلس المحلي في مدينة سراقب، كانت تجربة فريدة ومميزة، على الرغم من بعض السلبيات، ولكنني شعرت للمرة الأولى بأهمية الانتخابات وبقيمة الديمقراطية، وبإمكانية أن تشارك المرأة في صنع القرار”. هكذا تحدثت إلى (جيرون) أم رامز، وهي سيدة من مدينة سراقب التابعة لمحافظة إدلب شمال غرب سورية. لم تكن (أم رامز) المرأة الوحيدة في التفاعل مع هذه القضية، حيث شاركت عشرات السيدات، في الانتخابات المحلية التي نظمت في سراقب خلال تموز/ يوليو عام 2017. وبعد مرور عدة أشهر على الانتخابات، نحاول من خلال هذه المادة استعادة حيثيات تلك العملية من عدة زوايا حقوقية.
تجربة الانتخابات في سراقب تميزت بتنظيمها والتحضير الجيد لها، بحسب ما أكدت منظمة البحث والإدارة (RMTEAM) التي راقبت الانتخابات، وكتبت تقريرًا تقييميًا حولها. تذكر المنظمة أنه “تم تنظيم لوائح بأسماء من يحق لهم التصويت والترشّح، وتم توزيع البطاقات الانتخابية وصناديق الاقتراع، في مختلف أنحاء المدينة على نحو جيد، وتمت الانتخابات بالاقتراع السري المباشر، وشهدت تنافسًا بين تيارات متعددة، وجرت هذه الانتخابات، بحضور وسائل الإعلام ومنظمات مراقبة، وبإشراف لجنة مستقلة وحماية الشرطة المحلية ومن دون تدخل القوى العسكرية، كما تمّ تخصيص لجنة لتلقي الطعون”.
مثنى المحمد، رئيس المجلس المحلي في سراقب، أوضح لـ (جيرون) سير العملية الانتخابية قائلًا: “ترشح لرئاسة المجلس المحلي في سراقب خمسة أشخاص، انسحب اثنان وبقي ثلاثة، وترشح لعضوية المكتب التنفيذي 17 شخصًا، فاز منهم ثمانية أشخاص، وكان عدد البطاقات الانتخابية المسجلة 4499 من الذكور والإناث، ونسبة الإقبال كانت بحدود 54 بالمئة، وكان هناك ثمانية مراكز انتخابية، اثنان منها للنساء، إضافة إلى وجود مراقبات من النساء على صناديق الاقتراع”.
أضاف المحمد: “كانت تجربة فريدة وناجحة بامتياز في مدينة سراقب، لانتخاب رئيس المجلس المحلي وأعضائه، بطريقة الاقتراع العام والمباشر عبر صناديق اقتراع سرية. كانت تجربة مدنيّة انبثق عنها انتخاب مجلس حكم محلي، يدير ويشرف على كل الإدارات والقطاعات الخدمية والإدارية”.
سجلت المنظمات التي راقبت الانتخابات في سراقب عدة ملاحظات إجرائية في النظام الانتخابي، منها عدم تسجيل النازحين إلى المدينة وحرمانهم من الانتخابات، وبعض النواقص في لوائح تنظيم العملية الانتخابية، فقد ذكر تقرير منظمة (RM TEAM): “لم تصـف اللائحة النظـام الانتخابي بشـكل كاف، كمـا أن اللائحة غيـر واضحـة، بخـصوص عـدد الأصوات لـكل ناخـب عنـد انتخابـه للمكتـب التنفيـذي”.
تميزت الانتخابات في مدينة سراقب، بعدة أمور أثبتت ريادتها على مستوى سورية، وتحديدًا في مناطق سيطرة المعارضة، كما أوضح لـ (جيرون) بسام القوتلي، مدير مجموعة البحث والإدارة (RM TEAM)، حيث قال: “التجربة كانت رائدة، من ناحية فتح الباب أمام الترشح للجميع، ومن ثم مشاركة الجميع في التصويت، البيئة مناسبة في مناطق كثيرة وليس جميعها، فما تزال بعض القوى العسكرية ترغب في فرض سلطتها، وأي انتخابات في ظلها تكون شكلية عادة. التجربة كانت جيدة، لكن هنالك إمكانات لتطويرها، وخصوصًا من حيث تطوير النظام الانتخابي وزيادة مشاركة المرأة”.
تنص المادة (21)، من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على أن “إرادة الشعب هي مناطُ سلطة الحكم، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة، من خلال انتخابات نزيهة تجرى دوريًّا بالاقتراع العام، على قدم المساواة بين الناخبين، وبالتصويت السرِّي، أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرِّية التصويت”.
لم تكن تجربة سراقب الوحيدة بالنسبة إلى الانتخابات المحلية المباشرة، فقد شهدت عدة مدن سورية مثل هذه الانتخابات، عقب خروجها عن سيطرة النظام السوري، منذ عام 2011 حتى الآن، وكان آخرها تجربة مدينة دوما بريف دمشق التي شهدت انتخابات مباشرة، في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2017، فازت بعضوية الهيئة العامة للمجلس 14 سيدة من أصل 155 عضوًا، كما شهدت مدينة سقبا بريف دمشق، خلال تموز/ يوليو 2017، انتخابات مشابهة، وفق تقرير فيديو نشرته شبكة (جيرون) الإعلامية السورية (https://geiroon.net/archives/90047).
تأسست المجالس المحلية في سورية، بعد اندلاع احتجاجات عام 2011 ضد نظام الأسد، وخروج عدة مدن وبلدات عن سيطرة النظام السوري، وكانت تمثل بديلًا عن الدولة المدنيّة الغائبة، وتدار من قبل أهالي تلك المناطق، وتم إنشاء وزارة الإدارة المحلية من قبل الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني المعارض، وتشرف الوزارة على انتخابات المجالس المحلية، في عدد من المحافظات السورية، وأعلنت الأسبوع الماضي عن تجهيزها لإجراء انتخابات مجلس محافظة درعا جنوب البلاد.
لم يمارس السوريون، في عهد الأسدين، أي عملية انتخاب ديمقراطية نزيهة، وتقول أم رامز: “أتمنى أن تكرر هذه التجربة الديمقراطية، في جميع مناطق سورية، وأن يجرب جميع السوريين الديمقراطية”، لكن تلك التجارب ربما لم يكتب لها النجاح طويلًا، فقد تم ترحيل جميع سكان مدينة (سقبا)، بعد الهجوم الأخير الذي يشنه حاليًا النظام السوري بدعم روسي على الغوطة الشرقية، كما أن مدينة (دوما) تشهد حصارًا خانقًا، وهي مهددة بالترحيل، بينما يعاني ناشطو سراقب ومجلسها المحلي، من صراع دائم مع (هيئة تحرير الشام) المتشددة؛ إذ إنها تعدّ أي تجربة ديمقراطية أمرًا مخالفًا لمبادئها، لتبقى أم رامز وغيرها الكثير من السوريين بانتظار الوقت المناسب، لاختيار ممثليهم عبر انتخابات ديمقراطية في سورية.