مع اقتراب موعد افتتاح المدارس وبدء العام الدراسي، تشعر الطالبة سعاد الحسن، من بلدة أخترين بريف حلب الشمالي، بالقلق والخشية من استمرار المعاناة في المدارس، تقول سعاد (14 عامًا) في حديث إلى (جيرون): “عانيتُ خلال العام الدراسي المنصرم صعوبات عدة، منها صعوبة الوصول إلى المدرسة بسبب عدم توفر المواصلات، وكذلك ضعف الكوادر التعليمية في المدرسة، حيث إن معظم المعلمين والمعلمات ليسوا مختصين، وهم من حملة الشهادة الثانوية، أو أنهم لم يكملوا دراستهم الجامعية”.
معاناة سعاد تكاد تكون معاناة عامة، في معظم مناطق ريف حلب الشمالي، التي خرجت عن سيطرة تنظيم (داعش) قبل ثلاث سنوات، وهي تُعدّ اليوم منطقة نفوذ لتركيا تديرها مجالس محلية، وتحاول المؤسسات المحلية إعادة عجلة التعليم للدوران، ولكن هناك صعوبات كثيرة تواجههم، لعل أهمها عدم وجود كوادر تعليمية كافية، بسبب هجرة المعلمين، كذلك تعاني المدارس مسألة ندرة النساء في المراكز الإدارية في المدارس، واقتصار دورهن على التعليم.
تضيف سعاد: “يُضاف إلى قائمة معاناتنا عدم وجود دورات مياه خاصة للإناث في المدرسة، ما يسبب لنا الإحراج كطالبات. كما أننا نعاني نظرة المجتمع الذكورية للإناث اللواتي يُكملن تعليمهن، وخصوصًا بعد موجة النزوح التي شهدتها المنطقة، وذلك لأن المجتمع بات متعدد الثقافات، وهناك بعض العادات السلبية التي تبعث فينا الشعور بالقلق وعدم الارتياح، حيث إنها تحد من طموحنا، وتعوق وصولنا إلى أهدافنا”، مشيرة إلى أن “غياب معلمات إداريّات في المدارس يزيد من هذه المعاناة، فلا يوجد من نلجأ إليه ليساعدنا كإناث”.
لا تقتصر المعاناة على ضعف الكوادر التعليمية وضعف دور النساء في المراكز الإدارية، بل تمتد إلى عدم تمكّن كثير من المعلّمات من الالتحاق بالمدارس، تحت ذرائع مختلفة، أروى معلمة ثلاثينية مهجرة من مدينة تدمر إلى ريف حلب الشمالي، تخرجت في معهد إعداد المدرسين، وكانت معلمة في مدارس تدمر قبل عام 2014، وأُجبرت على النزوح عندما سيطر تنظيم (داعش) على المدينة، تقول أروى لـ (جيرون): “أجبرنا على النزوح بشكل جماعي، وتركنا وراءنا كل شيء حتى الأوراق الرسمية والشهادات، وبعد مرور أربعة أعوام على نزوحنا، ظلّ وضعنا المادي يزداد سوءًا، فقررت أن أتقدّم إلى وظيفة، وحين ذهبتُ إلى مديرية التربية، طلبوا مني الشهادة، وأخبرتهم بأن ليس عندي سوى شهادة الثانوية، فقالوا لي إنها لا تكفي، وأصروا على إحضار إجازة المعهد، وهنا بدأت المشكلة: كيف أستطيع أن أثبت أني متخرجة وأني كنت معلمة!”. وتضيف أروى: “حاولت إقناعهم أنني أتممت دراستي، ولكن من دون جدوى، ومع الأسف، لم أستطع التوظف، وهذه حال المئات من السيدات اللواتي حصلن على شهادات، وفقدنها نتيجة الحرب والنزوح”.
من جانب آخر، تعاني المعلمات صعوبات خلال عملهن في مدارس المنطقة، تقول غنى، وهي معلمة في إحدى مدارس منطقة أخترين: “نعاني كثيرًا بسبب مشكلة المواصلات، لبعد المسافة، وخاصة للمرأة العاملة في منطقة ريف حلب الشمالي، حيث إن هذه المنطقة تشهد عدة خروقات أمنية وتفجيرات، فضلًا عن الوقت الذي يضيع على الطرقات الواصلة بين بلدة وبلدة”.
تضيف غنى: “كذلك نعاني -المعلمات المتزوجات- عدم وجود مكان خاص لأطفالنا، ونقترح أن تكون هناك دار حضانة في المدارس، كي نؤمن على أطفالنا، كما نقترح تأمين مواصلات خاصة للمعلمين، لضمان الوصول الآمن وعدم التأخر على طلابنا في المدارس”.
قطاع التعليم في منطقة أخترين بريف حلب الشمالي يضم 750 معلمًا ومعلمة، بينهم 300 معلمة، ويحاول المجلس المحلي في أخترين دعم المعلمين، من خلال تفعيل دورات صيفية لرفع قدرات هؤلاء المعلمين ورفدهم بكوادر جديدة. وفي هذا الموضوع، يقول أحمد زينو (رئيس المكتب التعليمي في المجلس المحلي لبلدة أخترين وريفها) في حديث إلى (جيرون): “نعاني نقص الكوادر التعليمية، لأن الكوادر المؤهلة هاجروا إلى أوروبا وتركيا، أو أنهم ذهبوا إلى مناطق النظام كي لا يخسروا وظيفتهم”.
أضاف زينو: “نعمل على تأهيل بعض الكوادر من حملة الشهادات الثانوية وطلاب الجامعات الذين لم يتابعوا تحصيلهم الجامعي، ونحاول تأهيل هؤلاء ضمن دورات بسيطة خلال الصيف، في المواد التي تعدّ أساسية في المراحل التعليمية الأولى”.
تعمل في مناطق ريف حلب الشمالي عدة منظمات، تهتم بتعزيز دور المرأة في مختلف نواحي الحياة في هذه المنطقة، والتقت (جيرون) مع الناشطة نيفين حوتري، رئيسة مجلس إدارة (وحدة دعم وتمكين المرأة) العاملة في ريف حلب الشمالي، تقول نيفين في وصفها وضع المرأة: “في مناطق ريف حلب الشمالي، مرّت فترة سكون، إبّان وجود تنظيم (داعش) في المنطقة، حيث توقفت كل الأنشطة، وخاصة ما يتعلق بدعم المرأة، وأثر ذلك في المجتمع بشكل عام، وبسبب موجات النازحين التي قدمت للمنطقة، نلاحظ وجود مجتمعات متنوعة، حيث نجد مجتمعات تشارك فيها المرأة بمراكز قيادية في المجالس المحلية وإدارة المنظمات”.
بخصوص دور المرأة في التعليم في المنطقة، تقول نيفين: “إن هذا الأمر بحاجة إلى دعم بشكل كامل، النساء موجودات بأعداد جيدة كمعلمات، ولكنهن بأعداد أقل على مستوى الإدارة، بشكل عام، وبحكم عملي عن قرب مع النساء في ريفي حلب الشمالي والشرقي، لاحظت وجود تطور وتقدم كبيرين خلال العام الماضي، على صعيد اهتمام النساء برفع قدراتهن، وعلى صعيد تقبّل المجتمع لمشاركة النساء”.
تنص اتفاقية (القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) التي اعتمدت في الأمم المتحدة عام 1979، في مادتها الثالثة، على أن “تتخذ الدول الأطراف في جميع الميادين، ولا سيما الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كلّ التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها، لكفالة تطور المرأة وتقدمها الكاملين، وذلك لتضمن لها ممارسة حقوق الإنسان والحريات الأساسية، والتمتع بها على أساس المساواة مع الرجل”.
لتطبيق ما نصت عليه المادة الثالثة، وتعزيز دور المرأة والقضاء على التمييز بحقها، وبخاصة في قطاع التعليم في ريف حلب الشمالي، تقول نيفين: “المطلوب هو رفع قدرات النساء وتطبيق القوانين، والمطلوب من المعنيين، عندما تكون هناك نساء غير قادرات على المشاركة بسبب عدم توفر المؤهلات، أن نعمل على رفع قدراتهن لتعزيز مشاركتهن، فيما نجد في مناطق أخرى نساء يحملن مؤهلات عالية، لكنهن لا تأخذن فرصتهن ودورهن. نحن بحاجة إلى تطبيق قوانين لضمان المشاركة مثل (الكوتا)، وكذلك المعلمات بحاجة إلى وسائل وأدوات لتساعدهن في أداء أدوارهن على نحو مرضي”.
تحاول مديرية التربية والتعليم في أخترين استقطاب العنصر النسائي من حملة الشهادات الجامعية، لرفد الكوادر التعليمية في المدارس، لكن وجود المرأة في المناصب الإدارية ما زال دون المأمول، يقول محمد الحسن (مدير مديرية التربية والتعليم في منطقة أخترين) في حديث إلى (جيرون): “تعمل مديرية التربية والتعليم في أخترين على تكليف بعض الزميلات بأعمال إدارية، وتشجع مديرية التربية باقي الزميلات على أخذ دورهن في كافة المجالات، في الصف وفي العمل الإداري وفي الأنشطة، ولكن ذلك لا بد أن يكون مشروطًا بامتلاك الخبرة والكفاءة اللازمة، إضافة إلى الشخصية القيادية”.
تعمل مديرية التربية والتعليم على رفع مستوى المعلمات النساء، من خلال إلحاقهن بدورات تدريبية متتابعة لرفع مستوى أدائهن التعليمي والتربوي، وتتضمن الدورات دروسَ تقوية في المواد العلمية، إضافة إلى علم النفس التربوي والإرشاد النفسي، بحسب الحسن، وقد افتُتحت خلال الشهرين الماضيين دورتان لتأهيل الكوادر التعليمية.
وأشار الحسن إلى أن مديرية التربية تحتاج إلى دعم من أجل “افتتاح مراكز متخصصة لرفع مستوى المعلمين والمعلمات، مثل معاهد إعداد الكوادر التعليمية أو افتتاح فروع لجامعات وكليات التربية، وكذلك تحتاج المديرية إلى مكان مخصص لدعم التعليم الشعبي لنساء أخترين، كما تحتاج المديرية إلى وسائل تدريب وإلى “تعاون ودعم مستمرين، لتعزيز دور المرأة بشكل أكبر من قبل المؤسسات والمنظمات، ولدفع عجلة التعليم وبخاصة تعليم الإناث إلى الأمام”.
وأنهن بحاجة إلى دعم أكبر في هذا المجال، حيث تظهر النتائج تولي ستة فقط منصب (معاون مدير) من بين 36 معاونًا، بينما لم تتبوّأ أي منهن منصب مدير مدرسة، وهذا الواقع يخالف كلام مسؤولي التربية في المنطقة الذين أشاروا إلى وجود جهود لتعزيز دور المرأة هناك.
ما زال التعليم في مناطق الشمال السوري يعاني عدة صعوبات، على الرغم من الجهود المبذولة، وما زالت أعداد المتسربين من التعليم كبيرة، وخاصة بين النساء، مع أن المادة 26، من (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) تنص على أن “لكلِّ شخص الحق في التعليم. ويجب أن يُوفَّر التعليمُ مجَّانًا، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية. ويكون التعليم الابتدائي إلزاميًّا، ويكون التعليم الفني والمهني متاحًا للعموم. ويكون التعليم العالي متاحًا للجميع تبعًا لكفاءتهم”.
على الرغم من تعيين وزيرة للتربية في الحكومة السورية المؤقتة، فإن معظم مديريات التربية في ريف حلب الشمالي لا تتبع للحكومة المؤقتة، وتتبع معظمها لمديريات التربية التركية، في كل من مدينتي كيليس وغازي عينتاب، بذريعة أن دعم العملية التعليمية في المنطقة تقدمه مديريات التربية التركية، بحسب ما يقول مسؤولو التربية في المنطقة، ويبقى السؤال الذي يراود سعاد وجميع طلاب ريف حلب الشمالي: متى سيتحسن واقع التعليم في المنطقة، ومتى سيتم تعزيز دور النساء في هذا القطاع ومساواتهن بالفرص مع الرجال.
تم إنتاج هذه القصة الحقوقية بدعم من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR وصندوق الأمم المتحدة لدعم الديمقراطية UNDEF