نوفمبر 1, 2019 syr data

سوريا تنزف آثارها والحرب تدمر حضارات من سبقوا

هيومن فويس – حسام محمد

دور العبادة ومتاحف سوريا عامة، الأثرية منها على وجه التحديد، كانت كتاباً مفتوحاً وصرحاً أثرياً يحكي عن عراقة هذا البلد تاريخياً ويروي قصصاً عمن سبقوا، إلا إن الكثير من هذه المعالم ذاتها، بات اليوم منبراً سيحكي للأجيال القادمة مرارة الحرب المستمرة في سوريا.

محافظة إدلب، شمالي سوريا، تحتل بحسب مدير آثار إدلب “أيمن النابو”، مرتبة ريادية بعدد المتاحف والآثار ودور العبادة المتواجدة فيها، مشيراً إلى إن الاحصائية تفيد بوجود 760 موقع أثري فيها، مما يجعلها من أكثر المحافظات السورية اشتمالاً للمعالم التاريخية، والتي تبدأ من الألف الثالثة قبل الميلاد، وانتهاء بالعصور الإسلامية الحديثة.

مواقع الشرق القديم

من أهم مواقع الشرق القديم الموجودة في إدلب، لدينا مواقع “ايبلا، تل كرخ، تل آفس” وهي حضارات تعود للألف الثالثة قبل الميلاد، أو ما يعرف بـ “الشرق القديم”، أما من المواقع الكلاسيكية، أو التي تُعرف بـ “المواقع التاريخية الميتة”، فمحافظة إدلب تحتوي على خمسة “تقسيمات”، وإجماليها يصل إلى 40 نقطة-موقع أثري، من هذه الحقبة التاريخية.

الأربعون موقع أثري من المتاحف التاريخية، جميعها قد سُجل في لائحة التراث العالمي، وجميعها يعتبر متحف أثري في الهواء الطلق. وفق ما نقله مدير آثار إدلب.

متاحف إدلب

ومن أهم المتاحف الموجودة في إدلب، متحف معرة النعمان، وهو معروف باسم “متحف مراد باشا” وهو يحتل ثاني متحف للفسيفساء في الشرق الأوسط، ولوحات الفسيفساء فيه تتجاوز مساحتها ألف متر مربع، بالإضافة إلى متحف إدلب الوطني، وهو بناء حديث، بني عام 1989، ولكن مزيته باحتوائه على الُرقم الطينية المكتشفة بموقع ايبلا الأثري، والتي يبلغ تعدادها أكثر من 15 ألف رقيم مسماري تؤرخ تاريخ المنطقة.

فيما يخص دور العبادة، قال مدير مركز آثار إدلب: كل موقع أثري في محافظة إدلب، شمالي سوريا، يحتوي على معبد، ففي موقع ايبلا، يوجد بقايا لمعبدي “عشتار والأسود”، بالإضافة إلى وجود خمسة كنائس، في منطقة “البارة” بريف إدلب، وجميعها مبني على الطريقة “البازيليكي”، بالإضافة إلى كنيسة “قلب لوزة” وهي لا تزال ليومنا الحي كمثال حي على التعايش الكبير.بحسب المصدر.

حرب على الحضارة

يمكن تقسيم الأضرار التي لحقت بالمتاحف ودور العبادة في محافظة إدلب، شمالي سوريا، إلى عدة أقسام، أول نتائج الأضرار، ناتج عن الطيران الحربي للنظام السوري والمقاتلات الروسية، بالإضافة إلى ضرب العديد من المواقع بالبراميل المتفجرة من قبل النظام السوري، ومن تلك الهجمات، ما طال متحف “معرة النعمان” فقد تعرض لأربع هجمات جوية منذ عام 2015، أدت تلك الهجمات إلى تدمير أجزاء كبيرة منه، بالإضافة إلى تدمير عدد من اللوحات الأثرية بداخله.

تخريب طال مواقع أثرية في الشمال السوري

وكذلك تعرض دور عبادة ومتاحف لقصف مماثل من ذات الجهة، كما حصل في موقع “شان شراح، وخربة الخطيب، ونسبة الدمار فيها متفاوتة، ولكن بكل الأحوال لا يمكن تشبيهها بالأضرار التي لحقت بالمتاحف، لأن الأخيرة تعتبر مناطق مكشوفة، ونسبة الدمار فيها هائلة.

أضرار قاتلة

وقال مدير الآثار في محافظة إدلب: إن المواقع الأثرية وخاصة المواقع المعروفة بـ “الآثار المنسية” فهي تتعرض في إدلب، لحملة تكسير جائرة لحجارة هذه الآثار، حيث يتم تكسير هذه الآثار من قبل الأهالي المحليين، بهدف استخدامها في بناء المنازل المحلية، وفي حال استمر الحال على ما هو عليه، فإن مواقع أثرية تاريخية ستختفي بالكامل من المنطقة.

%70 من المواقع الأثرية في محافظة، وفق آخر احصائية لمديرية الآثار، قد تعرضت لدمار وتدمير بنسب متفاوتة، وتم فرز الأضرار حسب التاريخ للمواقع الأثرية، والحقبة التاريخية لها.

أما حالة المتاحف، فمتحف “معرة النعمان” مدمر بنسبة 70%، أما متحف مدينة إدلب، فهو مدمر بنسبة 30%، أما متحف البارة، فهو يتعرض لحملة تشويه محلية، ونسبة الأضرار التي لحقت فيها إلى 50%.

كنائس سوريا

أكثر من ثلاث وثلاثين كنيسة تدمرّت في مختلف أنحاء سوريا منذ اندلاع الثورة الشعبية، فيما تراوحت الأضرار ما بين متضررة جزئياً أو بشكل كبير.

هذا ما وثّقته الشبكة السورية لحقوق الإنسان، معلنة، أن الكنائس التي استهدفت شملت عشر كنائس في محافظة حمص، وسبعة في محافظة حلب و5 في محافظة دمشق، و5 في محافظة دير الزور، و3 في محافظة اللاذقية، و2 في محافظة إدلب، وواحدة في محافظة الرقة.

حضارة درعا

مسجد العمري، في محافظة درعا، جنوب سوريا، هذا المنبر العريق في سنوات التأسيس، لعب دوراً في إنطلاق شرارة الثورة السورية، إلا إن مئذنة المسجد، دفعت ثمناً تاريخياً، وكذلك بعض أجزاءه، بعد استهدافها من قبل النظام السوري، قبيل انسحابها من المنطقة في عام 2012.

كما أن العمليات العسكرية في محافظة درعا، طالت العشرات من دور العبادة، منها من تم تدميره أجزاء كبيرة منه، ومنها من تم تدمير أجزاء متفاوتة منه، فيما باتت بعض المساجد، أشبه بمعسكرات للنظام السوري وحلفاءه.

أكثر من ثلاث وثلاثين كنيسة تدمرّت في مختلف أنحاء سوريا منذ اندلاع الثورة الشعبية، فيما تراوحت الأضرار مابين متضررة جزئياً أو بشكل كبير

هذا ما وثّقته الشبكة السورية لحقوق الإنسان، معلنة، أن الكنائس التي استهدفت شملت عشر كنائس في محافظة حمص، وسبعة في محافظة حلب و5 في محافظة دمشق، و5 في محافظة دير الزور، و3 في محافظة اللاذقية، و2 في محافظة إدلب، وواحدة في محافظة الرقة.

ريف دمشق التاريخي

مسجد “الزيتونة” في ريف دمشق- معضمية الشام، فيعد هذا المسجد، أبزر معالم المدينة، قبل الثورة السورية وإبانها، منه انطلقت المظاهرات وفيه تجمع المئات للمطالبة بالحرية والكرامة، إلا إن النظام السوري، رد على تلك الاحتجاجات، بضرب المسجد، بسيارة مفخخة محملة بعشرات الكيلوغرامات من المواد المتفجرة، لتستهدف السيارة المفخخة مئات المشيعين لشاب جامعي قتلته قوات النظام وسلمته لذويه، فيقتل أكثر من أربعين مدنياً، وجرح أكثر من 300 آخرين، في مجزرة توصف بـ “المروعة”، وفق ما قاله الناشط الحقوقي في ريف دمشق “محمد إسماعيل”.

أضرار لحقت بمسجد أثري في ريف دمشق

أما في داريا، فقال “زهير” وهو أحد أهالي المدينة السابقين والمطلع على إرثها التاريخي: تملك هذه المدينة أحد عشر مسجداً تاريخياً من أصل 34 مسجداً ما بين منشأ حديثاً وما بين لم يكتمل، وتعد مساجد “الخولاني، الداراني، أسامة بن زيد، أنس بن مالك” أحد أبرز تلك المساجد.

يعتنق حوالي العشرين ألفاً من أهالي داريا الديانة المسيحية، وتوجد في داريا طائفتان مسيحيتان، هُما الروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك، ويَعود تاريخ الطائفة الكاثوليكية في داريا إلى عام 1934م، وبُنيت كنيسة تلك الطائفة عام 1937 م، وأما الروم الأرثوذكس فهُم الطائفة الأقدم في داريا.

الفرقة الرابعة، التابعة لقوات النظام السوري، ويقودها ماهر الأسد، دمرت عبر قذائفها في أواخر تشرين الثاني، من عام 2012، أجزاء واسعة من كنيسة “القديسة تقلا”، ويعود بناء هذه الكنيسة إلى عام 1872 ميلادي، كم تم تهجير أعداد كبيرة من ابناء الطائفة المسيحية نحو خارج المدينة.

آثار كنيسة أثرية دمرها النظام السوري في ريف دمشق

كما أن ذات الفرقة العسكرية، دمرت النسبة الكبرى من مسجد “أبي سليمان الداراني”، وذلك في 27 نيسان- أبريل، من عام 2013، بالإضافة إلى تدمير كامل لأحد عشر مسجداً في المدينة، وأكثر من عشرين مسجداً تم تدميرهم بشكل متراوح ما بين متوسط وما دون، بالإضافة إلى مقام “سكينة” الذي بدوره، حصد نسبة كبيرة من التدمير. بحسب “أبو زهير”.

ويبلغ عدد الكنائس المتضررة في كامل ريف دمشق على يد النظام السوري، أحد عشر كنيسة، تتوزع بعدة مدن وبلدات، أبرزها، كنيسة “القديسة تقلا” وهذه الكنيسة تعرضت لأربع هجمات من قبل النظام السوري، وكاتدرائية القديسين، في يبرود، ودير مارتقلا في بلدة معلولا، وكذلك مار ميخائيل في مدينة قارة، وجميعها اعتدى عليها النظام السوري، خلال السنوات الماضية. بحسب ذات المصدر.

مقام السيدة سكينة في داريا بعد تعرضه لقصف مدفعي من قبل النظام السوري

حلب التاريخية

وفي حلب، شمالي سوريا، أدى القصف إلى تدمير العشرات من المتاحف والآثار ودور العبادة، دمار شمل كافة مكونات الشعب السوري في المحافظة العريقة تاريخيا.

فالمعارك أدت إلى تدمير أجزاء واسعة من الجامع الأموي الكبير الذي يعتبر من أهم الجوامع الأثرية والتاريخية في حلب، مما أدى إلى هدم مأذنته، وتضرر بأجزاء واسعة منه على يد النظام السوري، كما تعرضت مكتبة الجامع التاريخية للاحتراق، وتضم المكتبة عدداً كبيراً من المخطوطات التاريخية القديمة.

متحف حلب الوطني، والذي يعد من أكبر وأهم المتاحف في سوريا، تم إنشاؤه عام 1931 في مدينة حلب، ويضم كنوزاً وآثاراً بالغة الأهمية، قام النظام وبحجة الحفاظ على ممتلكاته بنقل الآثار والكنوز من المتحف إلى أماكن مجهولة، وتحويله إلى مقر عسكري تحيط به عدد من الآليات والجنود، بحسب مواقع إعلامية سورية معارضة،

وفي عام 2015، أدت المعارك إلى تدمير أجزاء واسعة من كنيسة الأربعين شهيدا في منطقة الجديدة في حلب القديمة، وتتهم الشبكة السورية لحقوق الإنسان، كافة أطراف الصراع في سوريا، بتحويل الكنائس إلى ثكنات عسكرية لعناصرها، مما جعل تلك الكنائس هدفاً أيضاً لكافة أطراف الصراع، وأكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وقوف النظام السوري وراء 63% من الهجمات المسلحة ضد الكنائس في سوريا منذ عام 2011.

ووفق الشبكة الحقوقي، وهي منظمة غير حكومية، فقط تعرضت خمسة كنائس للدمار في حلب، وهي “دير وكنيسة دارسمعان”، في دارة عزة بريف حلب الغربي، بعد استهدافها من النظام السوري عام 2012.

بالإضافة، إلى كنيسة “يوسع الناصري الإنجيلية والأرمينية” وتقع الكنيسة في حي الميدان بحلب، واستهدفتها قوات النظام السوري في أواخر شهر أيلول عام 2012، وكذلك “مارجرجس القديمة”، في حلب الجديدة، وأيضا استهدفها النظام السوري، ومن الكنائس “الإنجيلية للطائفة الأرمينية، ودير أوراطان”.

وتعتبر محافظة حلب من المناطق الغنية جداً بالآثار والمواقع الأثرية، التي تعود لحضارات تُعد من أقدم الحضارات في العالم، وتعود في بعض المناطق إلى ثمانية آلاف عام، وقد مرت على مدن ومناطق حلب حضارات مثل: الآكاديين والبابليين والآراميين والحثيين والسومريين والرومان والإغريق والبيزنطيين والعرب والمسلمين، وقامت بها الكثير من الممالك والدول، وكانت مدينة حلب والتي تعد من أقدم وأوائل المدن في العالم، عاصمة في أكثر من حقبة تاريخية.

تهريب الآثار

الأمم المتحدة، وفي احصائية لها، أكدت نحو 300 موقع أثري سوري، منذ عام 2011، وفي مقدمتهم الآثار الإسلامية في كافة المناطق السورية، والمدينة الأثرية في تدمر وسط البلاد التي تعد أحد أهم المواقع الأثرية العالمية، والآثار اليونانية والرومانية بأفاميا، قد تعرضوا للنهب والسرقة على نطاق واسع.

المديرة العامة لمنظمة يونسكو “آيرينا بوكوفا” قالت أواخر عام 2015: إن صورا بالأقمار الاصطناعية وتدفق قطع أثرية إلى أسواق بيع الآثار، يؤكدان “نهبا واسع النطاق”، عبر القيام بعمليات حفر غير مشروعة، مشيرة إلى أن مكافحة تهريب هذه القطع الأثرية أصبح “أهم أولوية” لليونسكو.

أما، جمعية “حماية الآثار السورية” ومقرها فرنسا، فأكدت بإن 12-متحفاً من متاحف سوريا الـ36 قد تعرضت للنهب. مشيرة إلى إن تنظيم “الدولة”، اعتمد بشكل كبير على عائدات بيع القطع الأثرية النادرة لمهربي الآثار، والتي تضمنت نقوداً ذهبية وفضية تعود للعصر البيزنطي، فضلاً عن قطع فخارية وزجاجية رومانية تصل قيمتها إلى مئات الآلاف من الدولارات، بحسب صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية.

العبث بمواقع أثري شمالي سوريا

ويؤكد خبراء الآثار، وفق ما نقله تقرير احصائية لـ “الجزيرة نت”، أن الأماكن الأثرية عرضة للخطر من كافة الأطراف المتصارعة على الساحة السورية، إضافة إلى لصوص الآثار الذين يستهدفون المتاحف ومواقع الحفريات للبحث عن الآثار ونهبها، مستفيدين من حالة الانفلات الأمني في البلاد.

ومن أبرز المعالم التي نالها التدمير في تدمر وسط سوريا، هما “معبد بل” و”معبد بعل شمين”، والأخير تم تفخيخه بكمية كبيرة من المتفجرات، من قبل التنظيم كما دمروا قبل ذلك تمثال “أسد أثينا” الشهير الذي كان موجودا عند مدخل متحف تدمر، وحولوا وفق ما تقرير لـ “الشرق الأوسط”، المتحف إلى محكمة وسجن، وأعدموا المدير السابق لآثار المدينة خالد الأسعد. بينما تم تدمير جزء من «معبد بل» عبر وضع عبوات ناسفه بداخله.

تمّ انتاج هذه القصة الصحفية بدعم من منظمة “صحفيون من أجل حقوق الإنسان” الكندية (جي اتش ار).
%d مدونون معجبون بهذه: