أغسطس 16, 2023 syr data

حق الإنجاب.. الذي لم يُحرم منه السوريون

على الرغم من استهجان المجتمع المضيف في تركيا لمشهد السيدة السورية التي يرافقها عدد كبير من الأطفال متقاربي الأعمار، والضغوط التي تمارس عليها في المستشفيات التركية من قبل العاملين في قسم النساء والولادة على وجه الخصوص والتي كثر الحديث عنها في وسائل الإعلام في السنوات الأخيرة، لا تزال الكثير من السيدات تمارس حقها في الإنجاب بشكل كبير نسبياً في ظل الظروف المعيشية الصعبة لتضيف مسؤوليات جديدة، متجاهلات للنتائج السلبية للأمر على الصعيد الصحي والمادي والاجتماعي، حيث بلغ عدد المواليد لدى السوريين في تركيا 276 ألفاً و158 مولوداً في السنوات الست الأولى بحسب إحصائيات حكومية وبلغ العدد في آذار المنصرم 750 ألفاً بحسب مركز أبحاث الهجرة في جامعة أنقرة.

 

مروة المصري (باسم مستعار) 38 عاماً، من مدينة حماة وتعيش في مدينة إسكندرون التركية تقول في حديثها لـ ‘صدى الشام‘: تزوجت في سن العشرين وأنجبت ثلاثة أطفال في غضون 5 سنوات، بدأت صحتي تسوء في فترة حملي بطفلي الثاني واخبرتني الطبيبة حينها أنني أمر بحالة فقر دم بسبب عدم ترك مسافة زمنية بين حملي الأول والثاني وبدأت بالعلاج عن طريق أخذ الدم مباشرة وحبوب المقويات لفترة، وبعد أن حملت بطفلي الثالث تدهور وضعي الصحي بشكل كبير وعند مراجعتي للطبيبة أجرت لي العديد من التحاليل والتي كانت نتيجتها أن لدي مشاكل بالدم ونقص معادن حاد، وتبين فيما بعد أن هناك مشاكل بالطحال منها أن الجنين يضغط عليه واضطروا في المشفى أن يجروا ولادة مبكرة في بداية شهري التاسع، وبعد أن وضعت حملي استأصل الأطباء الجزء الأكبر من الطحال لدي وتركوا جزءًا منه لينمو من جديد بحسب الأطباء.
وتضيف المصري: منعني الأطباء من الحمل مجدداً، وبدأت باستعمال الكورتيزون بشكل مستمر تحت إشراف الطبيب، ولكن تأثيراته السلبية سببت لي اضرار كبيرة منها الوزن الزائد وانتفاخات في الجسم، وبعد أن نزحنا إلى تركيا بدأت بمراجعة طبيب في المنطقة مختص بأمراض الدم حيث منعني من استعمال الكورتيزون لما له من أضرار جانبية، واستمرت الفترة العلاجية أربعة سنوات أخبرني في نهايتها الطبيب أنني قادرة على الحمل من جديد، وبالفعل حملت بطفلي الرابع ولكنني بدأت أشكو منذ فترة قريبة من آلام في مفصل الركبة ولدى مراجعتي للطبيب أجريت الفحوصات اللازمة، وأخبرني الطبيب بأن مفصل الركبة لدي متآكل تماماً بسبب هشاشة العظام الناتجة أيضاً عن الحمل، وهش لدرجة أنه يمكن أن يتعرض للكسر في أي لحظة، ولكنهم لن يستطيعوا أن يبدأوا أي إجراء حتى أضع حملي ومازلت أنتظر.

أما أميرة طه 46 عاماً من ريف حلب الشرقي، تعيش في ولاية كريكالة التركية، وهي أم لـ 7 أطفال تقول في حديثها لـ ‘صدى الشام‘: لقد تربينا منذ صغرنا على فكرة أن الأولاد بركة والعائلة الكبيرة قوة اجتماعية ومادية في المستقبل، وكان لدي الرغبة منذ زواجي في عمر ال 19 بوجود الكثير من الأولاد ليسندوا بعضهم حين يكبرون، ولكن بالطبع كانت هناك الكثير من الأثار السلبية وأهمها على الصعيد الصحي فقد أصبت بفتق في العمود الفقري وهشاشة في العظام بسن مبكرة نتيجة الحمل المتكرر، وأيضاً أصبت بخشونة نتيجة نقص السوائل في مفصل الركبة مما اضطرني إلى تركيب صفائح بلاتينية لتخفيف ألم الاحتكاك.

وتتابع طه: وكان للأمر نتائج سلبية أيضاً على الصعيد النفسي فقد شغلت تربية أبنائي معظم وقتي، ولم أستطع الالتفات إلى تطوير ذاتي، وكنت بشكل مستمر ذات مزاج حاد حتى مع أطفالي وزوجي بسبب متطلبات ومشاكل الأولاد المستمرة وهذا ما أثر على شخصيتي وحياتي الاجتماعية وعلاقاتي مع الناس من حولي.

وتضيف طه: أما على الصعيد المادي فطالما كنت أؤمن بأن الطفل يأتي مع رزقه، لم أكن المسؤول المباشر على نفقة الأطفال، ولكن بالتأكيد كما حال أي أسرة مررنا بفترات ضيق بسبب الحرب والتهجير، ولكننا ولله الحمد في وضع جيد قياساً بغيرنا، وأشعر بالفخر أنني استطعت تربية سبعة أولاد في مثل هذه الظروف.

فيما تعاني أمل الحموي 33 عاماً، من مشاكل صحية كثيرة نتيجة إنجابها لستة أطفال أكبرهم بعمر الثانية عشر، دون إعطاء نفسها فترة لاستعادة قوتها، حيث تقول: تعرضت نتيجة الحمل المتكرر للكثير من الأمراض منها دوالي الساقين وأجريت 6 عمليات تركت كل منها أثرها، وأصبت مؤخراً بفقر الدم وبدأت آلام الظهر لدي في سن مبكرة، هم رزق من الله، ولكنهم في نفس الوقت مسؤولية كبيرة.
تتابع الحموي: بالأمس مرض أحدهم ولم يكن لدي مكان لترك البقية فأخذتهم جميعاً معي إلى المستشفى، ما أن رأتهم الطبيبة حتى وبختني لأنني أعرضهم جميعاً للمرض حيث أوضحت لي أن المستشفى مكان مليء بالأوبئة والأمراض، ولكن لم يكن لدي خيار فلا يوجد مكان أخر لأتركهم فيه.

أخطار الحمل المتكرر والمتعدد:

في حديثها لـ ‘صدى الشام’ تقول الطبيبة السورية المختصة بأمراض النساء والولادة ناريمان الصادق: تعاني النساء في مجتمعاتنا العربية وخصوصاً الريفية منها من عدة أمراض تعتبر مزمنة معظمها يتعلق بتكرار الحمول والولادة والارضاع حيث يوجد جهل بأساليب العناية بالحامل والمرضع ونقص في التوعية الصحية خصوصاُ في الطبقات ذات المعيشة المتدنية والأوساط الفقيرة، ونعني هنا بالحمل المتعدد أي الانجاب لأكثر من خمسة أطفال دون فترة استراحة كافية بين الحمول حيث يجب أن تكون هذه الفترة أكثر من سنتين ليستعيد جسم الأم قدرته طبعاً مع مراعاة تناول الفيتامينات التي ينصح بها طبيب الأسرة خلال هذه الفترة.

وعن أهم الأمراض والاضطرابات المتعلقة بالحمل المتكرر وطرق الوقاية منها، تقول الصادق: مشاكل الحمل المتعدد كثيرة لعل أبرز هذه المشاكل وأهمها:
ـ زيادة نسبة الاسقاطات حيث يجب مراعاة وجود فترة راحة يحصل الجسم فيها على كفايته من الفيتامينات وخصوصا فيتامين فوليك أسيد الذي ينصح بتناوله لمدة ثلاثة أشهر بجرعة 5ميلي غرام قبل التخطيط للحمل.
ـ زيادة نسبة التشوهات الخلقية، واهمها التشوهات الصبغية التي تعود إلى ضعف جودة البويضات أو التشوهات العصبية (عيوب الأنبوب العصبي والقيلة الدماغية ) التي يسببها نقص حمض الفوليك أسيد في جسم الام.

ـ فقر الدم المزمن، حيث إنه أحياناً قد نضطر إلى نقل الدم عند الحوامل والمرضعات ويكون من نوع فقر الدم بعوز الحديد لذلك يجب أن يوصف للحامل مقدار كاف من مركبات الحديد أثناء فترة الحمل والارضاع.

ـ رخاوة عنق الرحم ومشاكل الهبوط التناسلي والسلس البولي التي تسبب ايضاً الاسقاطات في الثلث الثاني من الحمل.

ـ زيادة نسبة النزف في الحمل نتيجة مشاكل ارتكاز المشيمة وانفكاك المشيمة التي تهدد حياة الأم والجنين.

ـ زيادة مشاكل ارتفاع ضغط الدم والانسمام الحملي، خاصة مع تقدم عمر الأم والتي تسبب أمراض الكلى وتأثيرها على الأم والجنين.

ـ تغيرات في الحالة الشكلية لجسم الأم وترهل البطن والفتوق خاصة فتق السرة.

ـ زيادة مشاكل تخثر الاوردة (الدوالي) وخاصة دوالي الساقين.

ـ زيادة نسبة الولادات المبكرة والخداج.

ـ مشاكل نقص الكالسيوم وغيرها من العناصر المكملة الأساسية ونقص فيتامين د ومشاكل التقوس في العمود الفقري نتيجة ضغط الحمل والوزن على الفقرات والمفاصل المحورية في الجسم وهذا ما يزيد من المشاكل العظمية عند الحوامل والمرضعات.

ـ زيادة الوفيات أثناء الولادة التي تزيد مع تعدد الولادات، وتعرض الرحم لنزيف شديد عند الولادة نتيجة ارتخاء الرحم وعدم انقباضه وهذا ما يعرف بالعطالة الرحمية.
أما من ناحية الإصابة بالأورام والسرطانات، فان الحمل المتكرر المتعدد إذ يقلل من جهة احتمالية حدوث سرطان الثدي فإنه يزيد من جهة أخرى احتمالية حدوث سرطان عنق الرحم وهم أهم ورمين عند النساء في فترة الانجاب.

والتأثيرات على الأجنة والأطفال كثيرة أيضاً، منها:
ـ الحمل بأجنة صغيرة وناقصة الوزن والولادة المبكرة التي قد تضطر الجنين الى الوضع في الحاضنة.

ـ الاضرار الصحية عند الأجنة الناجمة عن أمراض الضغط والسكري المرافقة للحمل.

ـ العامل النفسي عند الأم (التعب النفسي والجسدي المرافق للحمل) قد يحرم الطفل من العناية الكاملة والجيدة به خصوصاُ عند حدوث حمل أخر بفترة زمنية قريبة جداً قد ينتج عنه حرمان الطفل من الارضاع الطبيعي الذي يقوي مناعة الطفل.

سيدة سورية مع أطفالها – yeşilgazete

 

طرق الوقاية:

عن الوقاية من أضرار الحمل المتكرر والمتعدد تقول الصادق: تبدأ الوقاية بتوعية الام حول أضرار الحمل المتعدد والمتكرر وبضرورة المباعدة بين الحمول والتخطيط الجيد للحمل عن طريق زيارة مراكز التوعية في المستوصفات ومراكز الرعاية حيث يتوفر في كل مستوصف طاقم طبي وكادر تمريضي مهمته توعية الحوامل والمرضعات وتوزيع المنشورات اللازمة او إعطاء المحاضرات التي تهدف الى توعية الأم حول مواضيع الحمل والرضاعة الطبيعية.
أيضاً يجب اتباع وسائل التمنيع السليمة والمناسبة لكل امرأة حيث يتوفر في كل مركز طبي كادر مختص يقوم بنصح النساء في سن الانجاب بوسيلة التمنيع المناسبة سواء كان (تمنيع طبيعي ـ حبوب ـ غرسات ـ لوالب..)، وفي بعض الأحيان يتم توزيع وسائل منع الحمل بشكل مجاني.
كما هناك حاجة لتثقيف النساء حول موضوع الرضاعة الطبيعية وتطبيقها بالشكل الصحيح.

وتختتم الصادق: أخيراً فإن نقص المستوى التعليمي عند المرأة والجهل الذي يرافق فترات الحروب قد يحرم المرأة من معرفتها بأبسط الأمور التي تساعها في اتباع حياة انجابية سليمة وهنا يبرز دور المنظمات الصحية في تقديم التوعية والنصح والمشورة.

فيما تنص المادة 16 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة على أن تكون للمرأة على قدم المساواة مع الرجل نفس الحقوق في أن تقرر “بحرية وعلى نحو مسؤول عدد أطفالها والفاصل بين الطفل والذي يليه، وفي الحصول على المعلومات والتثقيف والوسائل الكفيلة بتمكينها من ممارسة هذه الحقوق.

الإنجاب من أجل كرت الهلال الأحمر:

وعن الاتهامات التي توجه للسوريين حول استغلال الإنجاب للحصول على المساعدات الإغاثية المقدمة من المنظمات الدولية كالهلال الأحمر والأمم المتحدة، يقول السيد عدنان بديوي معاون رئيس شعبة الهلال الأحمر التركي في مدينة هاتاي في حديثه لـ ‘صدى الشام‘: كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن إنجاب بعض السوريين للأطفال للحصول على كرت المساعدات من الهلال الأحمر، ولكن هذه المعلومات غير دقيقة، إنما هناك حالات نادرة ممن قاموا بالإنجاب للحصول على الكرت، حيث يمنح الكرت مبلغ 255 ليرة تركية لكل شخص في العائلة، كما أعتقد أن عدد الأطفال الكبير نسبياً لدى السوريين ناجم عن ثقافة مجتمع وبالأخص المجتمعات الريفية، وليس كما يصور البعض أن الأمر بغية الحصول على المزيد من المساعدات، حيث أن المساعدات المقدمة من المنظمات كالهلال الأحمر لا تغطي إلا جزءًا صغيرًا من الاحتياجات اليومية للعائلة، وهو ليس بالأمر المنطقي تحمل مسؤولية فرد جديد مقابل الحصول على هذا المبلغ الزهيد.

ويتابع بديوي: يتطلب الحصول على الكرت بعض الشروط والتي تتلخص بعدم وجود شخص قادر على العمل، إضافة إلى وجود ثلاثة أطفال على الأقل تحت سن الثامنة عشر، وهذا التحديد لعدد الأفراد برأيي أمر خاطئ في جوهره، فقد يدفع هذا الأمر بعض الأسر ممن يملكون طفلين لإكمال هذا النصاب والحصول على المساعدات للأسرة بشكل كامل، ولكن بطبيعة الحال تحتاج الأسرة كانت صغيرة أو كبيرة إلى مساعدة طالما لا يوجد فيها معيل قادر على العمل.
ويختتم بديوي: هناك بعض الحالات التي لم يكن لديها القدرة على الاستغناء عن المساعدات المقدمة من منظمة الهلال الأحمر فتوجهوا إلى إخفاء أطفالهم ممن تجاوزوا سن ال18 عن طريق تسجيلهم على عناوين مختلفة عن عناوينهم.

يعتبر الإنجاب حق لجميع الأزواج والأفراد، لا سيما في حرية الاختيار لعدد وتباعد وتوقيت أطفالهم، ولكن الأمر لا يقتصر فقط على الولادة إنما يترتب عليه مسؤوليات كبيرة لتنشئة الأطفال في بيئة صحية ومناسبة، كما يجب علينا الأخذ بعين الاعتبار صحة الأم وجعلها أولوية فهي العنصر الأساسي للأسرة والمجتمع.

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان

%d مدونون معجبون بهذه: