نوفمبر 12, 2019 syr data

بانتظار صوت الحياة “أماني”

هيومن فويس –  ياسمينا بنشي

تطلّ من منصّة مكتبها في مدينة ليست سَكنها الأصلي، وتقفز بذاكرتها إلى سبع سنوات خَلَت كانت متشبثة ًبمنزلها المُهدّم وأرصفة حيّها في غوطة دمشق.

تعرضت أماني محمّد للإصابة عند اتجاهها إلى عملها في مدرسة ابتدائية بمدينة دوما  قبل أن تتحوّل السماء لقذائف تفقدها أحد أطرافها .

تسرد أماني قصتها ” فارق خطيبي الحياة حينها، وأصبت بقدمي اليمنى، وبقيت مستلقية على قارعة الطريق أنتظر سماع صوت الحياة من خلال عربة الإسعاف إلى أن وصلت ونقلتني إلى نقطة طبية بعد دخولي غرفة العمليات..فقدت قدمي اليسرى إلى الأبد “.

لم تتلقَ أماني الدعم الطبي اللازم بعد إصابتها بسبب الحصار ومنع وصول المعدّات الخاصة بفاقدي الأطراف وقتئذٍ.

وخلال بحثنا مع فريق عمل حول الأرقام والإحصاءات التي تبدو شحيحة قادنا موقع “بيانات سورية” إلى دراسة سابقة نشرتها منظمة مساعدة المسنين الدولية ومنظمة الإعاقة الدولية. والتي تفيد “أنَّ واحداً من كل 15 لاجئ سوري في الأردن وواحداً من بين كل 30 لاجئ في لبنان أصيب جرَّاء الحرب”

أما أماني اضطرت إلى تغير طبيعة عملها من مدرّسة في المرحلة الابتدائية إلى موظفة ضمن قسم إدارة المشاريع؛ بسبب صعوبات تواجهها في التعليم مع حالتها الصحيّة الحالية.

تقول: ” أرفضُ أنْ أتحوّل من منتجة إلى مستهلكة على المجتمع ، بل إنني أقوم بجميع الأعباء في المنزل وفي العمل أساعد زميلاتي لإنجاز العديد من المهمام التي تصعب عليهم.”

وتشير التقارير المنشورة من منظمة الصحة العالمية “إلى ارتفاع معدّلات الإعاقة في بعض أجزاء سوريا حيث وصلت إلى 30% من السكان – أي ضعف المعدّل العالمي.

ويُتوقع أن يعاني 45% على الأقل من المصابين نتيجة الصراع من عاهة مستديمة تتطلب دعماً متخصصاً بعد انتهاء أعمال القتال بوقت طويل”.

ويشخّص الطبيب المختص “محمد خضر” من المركز الطبيّ الثالث في إدلب “حالات بترَ القدم أو أي طرف آخر، قد ترافقه تبدّلات تحصل في عموم الجسم، فبعض الأجسام يكون تقبّلها لفقدان جزء صعب جداً، وهذا يدخل أيضاً في قضية التوازن الجسمي، ففقدان ساق مثلاً؛  يكلّف الساق الأخرى ضغطاً مضاعفاً ومهمّة إضافية.

كما أن الأجسام الغريبة بداية (الطرف) يسبب و”ذمات إلتهابية” وتقيحات نتيجة ملامسة هذا الجسم الصلب للجسم، ولابد من متابعة العلاج النفسي قبلاً”

وتجدر الإشار إلى تقريرمنظمة الصحّة العالمية لهذا العام الذي وصف الرعاية الصحيّة في سوريا أساساً بأنها محدودة قبيل الأزمة، وتعمل المنظمة اليوم لإدماج خدمات الصحة النفسية ضمن  الرعاية الصحية الأولية

نحو تذليل المصاعب التي تواجه فاقدات الأطراف من النساء

مشكلات إضافية للنساء الفاقدات، أبرزها اضطرارهنَّ لانتظار مدة مضاعفة لحين حضور ممرضة من أجل أخذ المقاسات، حرمانهنّ من متابعة عملية العلاج الفيزيائيّ، قلّة أو ندرة العلاج النفسي/ الشبحي لمثل هذه الحالات، الشحنات الكهربائية لمعالجة الضمور العضلي بعد توقف العضلات عن العمل لمدة ستة أشهر، عدم مطابقة معايير الطرف للمواصفات الصحية العالمية، مضاعفات قد تصل إلى تصحيح عملية البتر لتأذي الطرف من الوزن الزائد، قلّة مادة السيليكون الطبيّ، عدم توفر مكان الإقامة والسكن الصحيّ للفاقد، وغياب مستلزمات العناية كالمراهم وغيرها.

في حين تذكر منظمة الصحة العالمية  أنها ” تقوم بشراء وتوزيع إمدادات لتركيب أطراف اصطناعية، وتعمل على ترميم مراكز إعادة التأهيل البدني المدمَّرة.

وتساند شريكاً (لم تذكر اسمه)  تنفيذياً يدير خمسة مرافق صحية في شمال سوريا تقدم دعماً لإعادة التأهيل البدني والرعاية النفسية الاجتماعية. كما توفر المنظمة التدريب لاختصاصيي العلاج الطبيعي والتقنيين في مجال الأطراف الاصطناعية والتقويم لتمكين عددٍ أكبر من الأشخاص من الحصول على رعاية ذات جودة.

وقد توجهنا بالفعل إلى مركز “الخطوات السعيدة” الذي يتعاون مع مشفىً في منطقة سجّو شمال سوريا وفق ما أشار إليه تقرير منظمة الصحة العالمية ووصفه كشريكٍ محلي مُنفذ، وكانت قد وصلتنا تقديرات من المجلس المحلي في مدينة إعزاز عن أعداد الفاقدين للأطراف المُسجّلين رسمياً بأن العدد يتراوح بين “ 50-70 “ شخصًا، بينما يحدّد مسؤول المركز التقني  السيّد غزال هلال بأن المركز يستقبل شهريًا من “ثلاثين إلى أربعين” طرفًا، وبجميع الأحوال يبدو أنَّ هناك إهمالاً واضحاً من ناحية معرفة الأرقام الحقيقية رغم قلّة عدد الفاقدين..!

كما تحدّث هلال عن آلية استقبال الحالات التي وصفها بأنها “مُيسّرة” وتبدأ من الحصول على موعدٍ من خلال أرقام تواصل هاتفيّه مخصصة  للنساء والأطفال خاصةً كي لايضطررن للانتظار لأخذ موعد القياس، وبعد أسبوع يقومون بتركيب الطرف، وقد توجهنا لمعرفة التجاوب من خلال صفحة “الخطوات السعيدة لذوي الاحتياجات الخاصةhappy steps “ international “ وبالفعل كانوا قد تجاوبوا بالفعل معنا  وزوّدونا بأرقام التواصل، ولكننا لاحظنا أن رقم الهاتف غير منشور أو متوفّرعلى الصفحة الخاصة بالمركز كما أن الموقع الإلكتروني متوقف ولايعمل .

ويؤيّد هلال ما ذُكر بتقرير منظمة الصحّة حول توفير الدعم النفسي في المركز حيث يقوم مدير المركز السيد “مصطفى النجار” وهو مجاز من قسم علم النفس بإجراء جلسة واحدة فقط مع المريض قبل تركيب الطرف.

ونوّه غزال بأنّ نجاح تركيب الطرف يتعلق بعدة أمور أهمها: قوة عضلات المريض، وعدم وجود خطأ في البتر، وطول عظم الفخذ، إضافة لحالة المريض النفسية بتقبل الطرف، كما أن وجود ضمور في الساق بدون علاج فيزيائي سيزيد العبء على المريض وسيشعر بثقل الطرف وأنّ الطرف الصناعي ليس مشروط النجاح لدى جميع المرضى فهو حسب الحالة (اذا كان البتر تحت الركبة فنسبة نجاحه تفوق حالة البتر ما فوق الركبة).

ويفضّل المختصون مراجعة المراكز بشكل دوري في السنة الأولى من تركيب الطرف كي لا تحدث مضاعفات له.

وهذا مانصّت عليه المادة الخامسة والعشرون من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان حول حقّ الضمان الصحيّ والعناية الطبيّة وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية.

مضايقات لفظية 

تتعرض أماني للمضايقات والإزعاج عند سَماعها عبارات “معافاية”،”سلامتك” من الناس، وتعتقد أنها لاتبحث عن الشفقة، هذا من ناحية ومن أخرى تجد أن هناك الكثيرات من مثيلاتها اللواتي لايستطعن الحديث “للصحافة والإعلام” ولا الذهاب إلى مراكز الأطراف للحصول على العلاج اللازم ومتابعته بسبب العادات والتقاليد وربطها بالدين رغم أنها ليست منه!

إصرار أماني على البقاء ساعدها وأفراد أسرتها على التأقلم مع حالتها الصحية، تقول والدتها أنها تخشى عليها من التهور أو اللامبالاة، رغم تعاون جميع أفراد الأسرة معها ومساعدتها في الكثير من الأمور، لا سيما عندما تكون بغير طرف وتكون مضطرة للمشي بالعكازات، الأمر الذي تعيشه أماني في مكان العمل أيضا.

طموحات وتحديات كثيرة تثقل كاهل أماني حينًا وتساعدها على المواجهة حينا آخر، كونها المعيلة الأولى لعائلتها برفقة والدتها، فعائلتها مكوّنة من أبٍ وأم وست فتيات وثلاثة ذكور، فضلا عن آلامها المزمنة بسبب الإصابة والتي تفرض عليها شروطا معينة في اختيار السكن تراعي حالتها الصحية، وهي مازالت تتطلع للتخلّي عن العكازات والعودة للسير كما كانت قبل الإصابة وهي بصدد أن تتقن السير بالفعل.

وترى أماني أنَّ إعاقتها لن تعيقها  في المستقبل وأنها هي من تقوم بتقديم المساعدة لمن يحتاجها وهذا على الأقل مايراه زملاءها فيها.

 

تمَّ إنتاج هذه القصّة الحقوقيّة بدعم من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR وصندوق الأمم المتحدة لدعم الديمقراطيّة.

 

 

%d