نوفمبر 12, 2019 syr data

انتشال أطفال سورية وأمهاتهم من التسرب المدرسي والأمية

هيومن فويس: اسماء السعيد

تفرغ الحرب السورية أوزارها الثقيلة طيلة السنوات الخالية على كاهل الأطفال، الذين على ما يبدو وفق الاحصائيات الرسمية والغير رسمية بأنهم الفئة العمرية الأكثر تضرراً في الوقت الراهن، وأن المستقبل المنظور ليس إلا عبارة إلا نفقاً مظلماً يترقب حضورهم، إذ يعاني ثلث الأطفال السوريين من خطر التحول من الطفولة البريئة إلى جيلاً أمياً، كإنعاكساً قاتلاً لتدهور العملية التعليمية في سوريا.

المتحدثة الرسمية باسم منظمة “يونيسيف” الدولية “جوليات توما” قدرت أعداد الأطفال السوريين الذين يقبعون خارج المقاعد الدراسية بـ 2.1 مليون طفل، ووفق تصريحات “توما” لـ “الشرق الأوسط” في 16 من شهر حزيران- يونيو 2018، فإن الأطفال السوريون يغادرون مقاعد الدراسة نظراً لظروف الحرب، وتأطير المراكز التعليمية ضمن الأهداف العسكرية، فيما يرحل أطفال آخرون نحو عالم العمل الشاق، لتحدي ظروف الحياة القاسية.

من جانبها، فقد أشارت الأمم المتحدة في وقت سابق إلى إن إجمالي المدارس السورية 22 ألف مدرسة تعمل في جميع أنحاء البلاد، أغلق منها نحو 7400 مدرسة، أما تلك التي لا تزال تعمل بشكل عام فتعاني من سوء المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية.

خلال أعوام الثورة السورية، برزت العديد من المنظمات المدنية التي كرست أعمالها نحو الأطفال السوريين، ومن تلك الجهات الفاعلة في سوريا، منظمة “أثر”، ووفق مسؤولون في المنظمة، فقد تم اقتباس اسم المنظمة، من اسم طفلة لإحدى المتدربات والتي آثرت أن تسمي ابنتها باسم المنظمة لقولها: “أثر لها نقلة نوعية في حياتي، لذا أسميت ابنتي باسمها”.

في هذا الصدد أشارت مديرة المشاريع في منظمة “أثر” المعنية بأمور المرأة والطفل “وفاء محمد” بأنهم يقيمون منذ سنة في الداخل السوري دورات تعليمية للأطفال المنقطعين عن الدراسة، إضافة إلى تأهيل الأمهات لتعليم أطفالهن في كل الظروف، مشيرة إلى أن المنظمة تسعى لإنجاح مشروع يسمى “التعليم المنزلي” وهو مبني على فكرة التعليم في المنزل لتفادي الاستهداف التي تتعرض له المدارس، ويرتكز على تأهيل السيدات ومن ثم تعليم الأطفال وتشجيعهم وتقديم القرطاسية والوسائل التعليمية والمناهج لهم.

وتابعت محمد: من المواقف التي لن أنساها أثناء فترة التدريب في الحولة، سيدتان كانتا في الأشهر الأخيرة من الحمل، انقطعن عن الدوام لمدة ثلاثة أيام فقط بسبب الولادة، والتزمن في الدوام بعدها، وهذا ما أعطانا دافع قوي للبقاء والمثابرة، فلولا الحاجة المادية والاصرار على التعلم لم تستمر النساء بهذه الظروف الصعبة”.

فريق “هيومن فويس” اتجه نحو الجهات المستفيدة من عمل منظمة “أثر”، محاولاً رصد بعد الآراء، حول تقييم العمل، والاحتياجات والأولويات، ومدى تفاعل المنظمة مع الأعضاء التابعين لها، ووفق النسب التي اقتناها فريق العمل، فقد توجهت نسبة 26.5% من إجمالي الإحصائيات إلى العامل الصحي، إذ طالب المستطلعون بزيادة الاهتمام بالعامل الصحي بشكلاً عاجلاً، وهو ما يعكس ضعفاً في تغطية ملفات الصحة أو عدم توفر الاحتياجات الطبية اللازمة.

في حين كانت النسبة الأعلى من نصيب عاملي السكن والغذاء، إذ أن أكثر من نصف المستطلعين أعطى صوته لهذا الجانب، وقد وصلت النسبة إلى 54%، وهو ما يعلل العديد من القضايا الهامة المتعلقة بعدم توفر منازلاً في الإطار العام، وتضخم أسعار المواد الغذائية التي لا تباع وفق أطر قانونية منظمة في الشمال السوري، ولعل الاحصائية تعد مؤشراً على غياب حلقة التوازن بين الدخل الشهري للمستفيدين والحالة الاستهلاكية.

رغم مصاعب الحياة وتعقيدات الحالة السورية العامة، فقد رأت نسبة 18.5%، من مجمل المشاركين في الإستطلاع، إلى وجود تقديم المزيد من الرعاية والخدمات الخاصة بالسلك التعليمي، وهي مؤشرات على رغبتهم بالمضي قدماً في مواجهة الأمية التي تعد الخطر الأكبر للأطفال والناشئين، فيما اتفق المستبينين على عدم  وجود ي حالة من التمييز في العمل والخدمات، إذ كانت النسبة الملفتة حول ذلك 0%، ولعل النسبة الأخيرة، هي الأهم، كونها تعبر عن مدى أهمية سوق العمل، ورغبتهم بعدم خسارته، كنتيجة طبيعية لعدم توفر العمل وارتفاع نسب البطالة في المجتمع.

وهنا لا بد من الإشارة إلى نسبة السيدات المشاركات في الاحصائية قد تجاوزت عتبة 92%، في حين ذهبت بقية الاحصائيات إلى الشباب.

ماذا يمكن أن يضاف للخدمات لتصبح أكثر فائدة؟

المستفيدون وفق الاحصائيات الرسمي، توجهوا وفق النسبة الأعلى التي تم احصائها إلى تسهيل وصول الخدمات إلى الأهالي، والمرتبة الثانية كانت من نصيب زيادة نسبة الخدمات، إذ رأى 9% من المستطلعين بأن توضيح وشرح الخدمات لا بد منه، و4% من المستفيدين طالبوا بزيادة تنظيم آليات العمل داخل المنظمة، فالعامل المشترك بين النسبتين السابقتين، تعد مؤشراً رغم ضعفها، على رغبتهم بوجوب وجود شفافية أكبر، وتنظيم إداري أكثر انسجاماً مع آلية العمل.

الردود الوافدة وفق المصوتين، أشارت إلى وجود 31% بأن الخدمات يتم تقديمها من خلالها وسيطة، و26.5% فقالوا بأن تقديم الخدمات للمشتركين تتم عملية تقديمها من داخل المنظمة ذاتها، و34% قالوا بأنهم يتوجهوا إلى مقر المنظمة لتلقي الخدمات بشكل مباشر، وذهبت النسبة الأقل وهي 2% تقول بأن المنظمة هي من تذهب إلى تقديم الخدمات للمشتركين فيها.

وأضاف المصدر الرسمي “وفاء محمد” لـ “هيومن فويس“، بإنهم أقاموا أربع دورات تعليمية للأطفال المنقطعين عن الدراسة في الداخل السوري، مدة الدورة ثلاثة أشهر، حيث تم استئجار صالات ومراكز تدريب لتتسع أكبر عدد ممكن من الأطفال، “لم تنته الحرب وعمليات التدمير لم تتوقف، ففضلنا أن تذهب المبالغ التي تصلنا لبناء عقول الأطفال وإعادتهم إلى السلك الدراسي عوضا عن ترميم المدارس المستهدفة باستمرار” على حد قول محمد، وبينت أن المشكلة تكمن في أنه كلما تقدّم الطفل بالسن وهو منقطع عن المدرسة تكون عودته صعبة للغاية، وإن حصل ذلك فهم بحاجة إلى برامج خاصة لتشجيعهم وإعادة تهيتهم.

وتحدثت مشيرةً إلى إن أعداد الأطفال ممن انضموا لمشروع التعليم قاربت 550 في مدينة سراقب بإدلب، و500 في مدينة إدلب، و220 طفل في مدينة إعزاز، إضافة إلى 300 في مخيم إعزاز، لكن محمد أعربت عن حزنها لإغلاق المشروع الذي لم يؤتي أكله، لعدم الحصول على الدعم وضعف الإمكانيات المتاحة هناك، “على الرغم من أن تلك المنطقة هي الأكثر حاجة لهكذا مشاريع” .

وتابعت: ” بعد التواصل مع إدارة المخيم حصلنا على إحصائيات أن عدد الأطفال في المخيم 7040 ما بين سن السادسة و الرابعة عشر منهم 7000  طفل خارج عن العملية التعليمية، ويلجأ الكثير منهم إلى العمل، أي أن هناك عمالة مبكرة، وأعتقد أن عدد الأطفال الخارجين عن نطاق التعليم بازدياد نظرا لنزوح الكثير العائلات من الوسط والشمال السوري.”
وفي سياق متصل أشارت محمد أنهم أقاموا مشاريع لتدريب وتأهيل السيدات ليكن قادرات على التعليم، مع تخصيص راتب يقارب 130$ أثناء فترة التدريب لخلق فرصة عمل لهن حتى بعد انتهاء المشروع، كمشروع مدينة الحولة الذي انتهى في شهر نيسان الماضي، بالاضافة إلى تدريب ما يقارب 100 سيدة في مدينة إدلب، وسراقب، لكن الدورات التدريبية في المدينتين السابقتين كانت دون مكافآت، بسبب إمكانيات المشروع المحدودة.

“وقد تم تدريب النساء لمدة شهرين على عدة برامج أو  حقائب تدريبية وتعليمية ونفسية، منها مهارات الحياة، والتعليم في حالة الطوارئ، والمعايير الأساسية لحماية الطفل والتعامل معه لتكون قادرة على استيعابه بكافة حالاته النفسية، وتقديم الدعم له وفي حال احتاج الطفل لرعاية نفسية يتم التوجه لمختصين، والتعليم التفاعلي وكيفية تعليم الأطفال بطرق إبداعية وابتكار أساليب للتعليم” بحسب ما قالت وفاء محمد.

محمد- قالت بأنهم واجهو الكثير من الصعوبات لإتمام العمل، فمثلا حصار مدينة الحولة كان العائق الأصعب أمام تأمين اللوجستيات اللازمة كالحواسيب، وطباعة الكتب، فضلا عن غياب الكفاءات، ولذلك قاموا بتدريب المدريب عن طريق الانترنت من تركيا؛ ورغم ذلك فقد لقي المشروع رضا كبيرا في مجتمع الحولة وإدلب وسراقب سابقا، لأنه يخلق فرص عمل للسيدات داخل المنزل، وهو ما تفضله الكثير من الأسر في ظل الأوضاع الأمنية المتدهورة، وأكد المصدر أن التعليم في مشروع ” التعليم المنزلي” هو عن طريق الأنشطة لأن تنفيذ الأنشطة هو أسرع طريقة لإيصال الفكرة وحفظها.

بحسب محمد فإن عددا من المتدربات في مدينة الحولة قد استطعن تأمين عمل لهن داخل المدينة، وبالنسبة للمتدربات اللاتي خرجن من المدينة بسبب عمليات التهجير فقد اتجهن أيضا للتعليم في المنازل في أماكن نزوحهن في ريفي حلب وإدلب ولكن بشكل تطوعي، مشيرة إلى أن النزاعات في بعض مناطق ريفي إدلب وحلب أدت قلة فرص العمل، وانعدام نشاطات المنظمات فيها.

تم انتاج هذه القصة الحقوقية بدعم من منظمة “صحفيون من أجل حقوق الإنسان “JHR ومؤسسة دونر الكندية Donner
Canadian Foundation
%d مدونون معجبون بهذه: