أبريل 21, 2021 syr data

اللاجئات السوريات في ماردين محرومات من الدعم النفسي بلغتهنّ الأم

خبات عبد طالاس – غمكين محمد- الغربال

 

لم يعد بإمكان وفاء (43 عاماً) متابعة جلسات الدعم النفسي التي لم تكن تستفيد منها بشكل جيد بسبب تقديمها باللغة التركية، كما أن انتشار فيروس كورونا حرمها بشكل نهائي من هذه الجلسات، التي تحوّلت في الأساس إلى مكالمات هاتفية، يضيع فيها أكثر من نصف الوقت دون فائدة.

يمكّن قرار الحماية المؤقتة رقم 6883 لعام 2014، السوريين الموجودين على الأراضي التركية من الحصول على جميع الخدمات الطبية والاجتماعية والتعليمية، إضافة إلى الوصول إلى سوق العمل، إلا أن هذا القرار لا يوضح بدقة إمكانية الاستفادة من خدمات الصحة النفسية وإمكانية توفير الترجمة بلغة اللاجئين الأم، بما أن تركيا لم تعمل على دمج اللاجئين على أراضيها في المجتمع وتعليمهم اللغة التركية.

ويعتبر هذا الجانب هاماً بسبب ما عاناه السوريون من ويلات خلال سنوات الحرب، التي انعكست على صحتهم النفسية وأدائهم اليومي، وتأتي أهميته أيضاً من كون الكثيرين وبخاصة السيدات لا يرغبن بالإفصاح عن تلك المشكلات بسهولة، لأنها تمس المشاعر والسلوكيات والحياة اليومية، ولا يمكن مقارنتها بالأمراض الجسدية التي يتمّ الإفصاح عنها بهدف الحصول على النصح والإرشاد، وأفضل الخدمات الطبية.

وفاء ناجية من العنف الجنسي والعنف المنزلي تعرضت لحادثة اغتصاب ما ولّد لديها الكثير من المشاكل النفسية فضلاً عن تعرضها للتعذيب على يد مغتصبها، وهذا خلّف آثاراً جسدية ترافقها بشكل دائم، تقول “وفاء” لمجلة “الغربال” إنها تعاني الكثير من الاضطرابات النفسية لكنها لم تحصل على الدعم النفسي المناسب لحالتها من المنظمات الدولية أو المحلية العاملة في مدينة ماردين لعدة أسباب، منها أنها لا تستطيع التواصل مع الداعم النفسي مباشرة كونه لا يتحدث اللغة العربية وفي كل جلسة يجب أن يحضر مترجم.

وتضيف أنه دائماً كانت تتمّ إحالتها من منظمة إلى أخرى لأسباب تتعلق بتوقّف المشروع أحياناً  أو عدم توفر الداعم النفسي لدى تلك المنظمة، وفي كثير من الأحيان كان عليها الانتظار فترة طويلة حتى تتواصل معها المنظمة الجديدة، تشير وفاء إلى أن حالتها ازدادت سوءاً مع انتشار فيروس كورونا لأنها لم تستطع مقابلة الداعم النفسي وجهاً لوجه، وبسبب تحوّل الجلسات من فيزيائية إلى هاتفية، وهنا تصبح عملية الترجمة أصعب.

تشير وفاء إلى أنها لم تستطع تناول الأدوية النفسية كونها حامل، وهذا زاد حالتها سوءاً وحتى الآن لم يتواصل أحد من المنظمة معها، وقد مضى أكثر من شهر على آخر مراجعة، تؤكّد أنها تتخيل وجود أشخاص يقومون بمطاردتها والكثير من الأمور التي لا تستطيع التعبير عنها.

السيدة (ع – أ  45 عاماً ) لديها ثلاثة أطفال، وهي ناجية من العنف، تقول لـ”الغربال” لم أكن شجاعة  بما يكفي لأضع حداً للعنف الممارس من قبل زوجي عليّ، تلقيت الدعم النفسي خلال فترة تعرّضي للعنف وساعدني ذلك كثيراً في حياتي اليومية، إلا أنه مع انتشار فيروس كورونا ساءت حالتي، كوني وحيدة مع ثلاثة أطفال بلا معيل، عاودت الاتصال بالمنظمة من أجل الحصول على الدعم النفسي لكن موظفة قسم إدارة الحالات اعتذرت وقالت إن خدمة الدعم النفسي لم تعد متوفرة لانتهاء مشروع الدعم النفسي وقامت بتوجيهي إلى منظمة أخرى إلا أنني عدلت عن ذلك لأنني لم أرغب بتغيير الداعم النفسي.

تقول المرشدة النفسية “جانا جاموز” لـ”الغربال” إذا كان الداعم النفسي يخطط لتقديم جلسات رفع الوعي حول موضوع الصحة النفسية أو موضوع محدد بذاته والتحدث فيه للاجئين فإنه لا بأس أن يتم الموضوع عن طريق الترجمة، لكن إذا كان الداعم يخطط لجلسات الدعم النفسي الفردية والداعم لا يتحدث بلغة المستفيد فهنا تكمن الصعوبة وربما تظهر المشاكل، أولاها متعلقة بموضوع السرية بين الداعم والمستفيد وهي أمر أساسي في العمل، ووجود طرف ثالث وهو المترجم يخرق هذا المبدأ، إذ ربما لا يكون لدى المترجم معلومات كافية حول الصحة النفسية والسلوك الإنساني.

وتشير إلى أنه توجد بعض الأدوات التي تساعد الداعم النفسي في عمله مع المستفيد لمعرفة بعض المعلومات، وهذه المعلومات قد تأتي من لغة الجسد أو يتوصل إليها الداعم من خلال التحدث مع المستفيد بلغته عبر الاستنتاج والتحليل، ولكن مع الترجمة من لغة المستفيد إلى لغة الداعم لايمكن الوصول إليها، وهذا يجعل العمل أصعب، وبخاصة في الحالات الحساسة كالعنف القائم على النوع الاجتماعي وحالات المثلية الجنسية، إذ إن بناء علاقة الثقة مع تلك الحالات أصعب من غيرها ومن ثم إدخال الترجمة بين الداعم والمستفيد في تلك الحالات يجعل بناء الثقة والعمل صعباً للغاية.

المترجمة في إحدى المنظمات العاملة في ماردين شيندا خلو تقول لـ”الغربال” بشكل عام تقدّم المنظمات الإنسانية في ماردين خدمة الدعم النفسي عن طريق مترجمين، ومعظم موظفي المنظمات في قسم الدعم النفسي هم من الأتراك، ونادراً مايكونون يتقنون العربية أو الكردية بشكل جيد، وفي ظل انتشار كورونا تحوّلت خدمات الدعم النفسي إلى الاتصالات الهاتفية، وهذا أثر سلباً على المستفيدين بالدرجة الأولى ومن ثمّ على المترجمين والداعمين النفسيين.

تشير “خلو” إلى أن المستفيدة أو المستفيد عندما يتحدث عبر الهاتف لا يستطيع التعبير عن مشكلته بالشكل الكافي وكما يريد، إذ إن فهم مشكلة المستفيد يتمّ بطريقتين، الأولى هي التواصل والثانية لغة الجسد،  فإذا لم يكن حاضراً فيزيائياً يكون من الصعب فهم المشكلة بشكل دقيق، كما أن المستفيدين يجدون صعوبة في طرح مشكلاتهم عبر الهاتف.

وترى “خلو” أن من الأفضل أن تقدم خدمة الدعم النفسي بلغة المستفيد الأم، لأنه عندما يتحدث عن مشكلته فهو يتحدث عن مشاعر وعواطف لذا يكون تواصله مباشرة مع الداعم لإيصال مشاعره وعواطفه أو فكرة بذهنه، ونقل تلك المشاعر عبر الترجمة، لا يوصل الفكرة بشكل كامل، وقد يوصل 75 بالمئة منها في أفضل الحالات.

تنص المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفى لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحق في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه.

تمّ إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان” بتمويل من برنامج عالم كندا Global Affairs Canada

%d مدونون معجبون بهذه: