عمار الحلبي – صدى الشام
حرص أطراف النزاع الثلاثة المسيطرة على الأراضي السورية، على إصدار المناهج الدراسية بعناية شديدة، ولكن هذه العناية لم تتركّز على تقديم المعرفة للطلّاب، وإنما حرص كل طرف على تسويق نفسه كطرف شرعي في سوريا أمام جيل الأطفال، وحرص على نشر سياسته وآرائه.
وفي زحمة التكريس السياسي في المناهج الدراسية في سوريا، تغيب المناهج التي تحقّق الفائدة والمنفعة العلمية والاجتماعية للطلّاب، ولا سيما في المراحل العمرية الحساسة.
ولعلَّ أبرز تلك المناهج هو منهج “الثقافة الجنسية” والذي يحمل في معظم دول العالم اسم “التربية الجنسية”، والهدف من تلك المناهج مد التلميذ بالمعارف السليمة والصحيحة عن الحياة الجنسية.
غياب التوعية الجنسية
في سوريا، أصدر نظام الأسد منهاجاً دراسياً خاصاً به، لاستخدامه في تدريس الطلاب في المناطق التي يسيطر عليها، وكذلك أصدر الائتلاف الوطني المعارض، والحكومة السورية المؤقتة، منهاجاً دراسياً جديداً، ليتم استخدامه في تدريس الطلاب في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، وكذلك عملت “الإدارة الذاتية الكردية” على إصدار منهاجٍ خاص بها، لتدريس الطلاب في مناطقها، وحاول كل طرف “غسل أدمغة” الطلاب، بمعلومات سياسية وتاريخية مغلوطة لتقديم نفسه أمام الطلاب.
على مدارس أسبوعٍ كامل، فحصت “صدى الشام” المناهج الدراسية الثلاث، وعاينت الكتب في جميع المناهج ولم تجد أي معلومات عن وجود ثقافة جنسية ضمن المناهج الدراسية، وبسبب عدم وجود كتاب مستقل تحت اسم “التربية الجنسية” في المناهج، اضطررنا إلى معاينة جميع الكتب.
وعقب عملية البحث لم تلاحظ وجود أي معلومات عن الثقافة الجنسية، حيث لاحظنا وجود بعض المعلومات التي تطرّقت إلى الدورة الشهرية و”العادة السرية” وتم تناولها من جانبٍ ديني، مع طريقة التطهّر منها ورفع الجنابة.
ويأتي ذلك في وقتٍ عكفت فيه معظم دول العالم، على تزويد الطلاب بمعارف أساسية عن الحياة الجنسية، لمنع حرفهم بأفكار غير صحيحة عن هذا الأمر، وذلك عبر إدخال منهج “التربية الجنسية”، حيث تم تفعيله في معظم دول أوروبا الغربية، حتى بات لا يقل أهميةً عن بقية المناهج كالرياضيات أو التاريخ أو غيرها.
تختلف آراء السوريين بين مؤيد ومعارض لادخال مادة الثقافة الجنسية في المناهج الدراسية.
هل ترغب بإدخال التربية الجنسية؟
سألت “صدى الشام” مجموعة عائلات في عدّة مناطق سورية، عن مدى رغبتهم أو قبولهم بإدخال مادة التربية الجنسية إلى المدارس وتدريس أولادهم لها.
أحمد خطّاب، هو من سكّان مدينة “اعزاز” في ريف حلب الشمالي، لديه أربع أطفال، أنثى واحدة وثلاث ذكور، عرضنا عليه فكرة تدريس التربية الجنسية في المدارس، فرفض الفكرة، مع إبداء بعض الحلول البديلة.
وقال خطاب لـ “صدى الشام”: “من الممكن أن يتم التدريس ولكن في المرحلة الثانوية تحديداً” رافضاً أن تتم العملية التدريسية قبل هذا العمر.
وأضاف خطاب، أن إعطاء الأطفال معلومات جنسية في فترة عمرية مبكّرة هو أمر خاطئ، لأنه سوف ينبّههم إلى أمرٍ هم لا يعرفون عنه شيئاً وجسمهم لا يحتاجه، لذلك يفضّل أن تبدأ عملية تدريس التربية الجنسية في المرحلة الثانوية.
وبالمقابل، ترفض غصون، التي لديها طفلتين تدرسان في العاصمة السورية دمشق، إدخال منهج التربية الجنسية إلى المدارس.
وتعلّل غصون رفضها بأن هذا الأمر يؤدّي إلى اقتحام العالم الخاص للطفل والدخول بخصوصيات لا يستطيع بعض الأطفال الدخول بها.
وقالت: “ابنتيَّ تخجلان بشكلٍ كبير، ولا أتوقّع أنّهن قادرات على تحمّل مناقشة أو طرح موضوع جنسي أمام زملائهم وزميلاتهم الطلاب حتّى لو كان الغرض علمي وبهدف الانتفاع”.
وتعتبر غصون أن الحل البديل يكون بتعليم الثقافة الجنسية من داخل المنزل، موضحةً أنه لا يوجد أي جهة قادرة أن تفهم الحياة الجنسية للطفل أكثر من والديه ومنزله.
يرى البعض أن تعليم الثقافة الجنسية للطفل يجب أن يكون في المنزل، وتعارض تعليمه في المدرسة
نتائج سلبية
الباحثة الاجتماعية والأخصائية النفسية إيمان قاسم، اعتبرت أن عدم وجود ثقافة وتربية جنسية في حياة الطفل، سوف تؤدي لاحقاً إلى نتائج سلبية، وإلى دخول معارف جنسية غير حقيقية إلى حياة الطفل.
وقالت قاسم لـ “صدى الشام”: “بالتأكيد فإن غياب التوعية الجنسية للطفل سوف تؤثر على المفاهيم الجنسية، وعلى إدراك الطفل ومعرفته عن العملية الجنسية”.
وأضافت أن جهل الطفل بالمعارف الجنسية الأساسية، يجعله عرضة لأن يتقبّل أي أفكار سلبية أو غير حقيقية عن الحياة الجنسية، وذلك بسبب حجب المعلومة الحقيقية عنه وبالتالي فإن أي مصدر أو معلومة جنسية سوف يتقبّلها الطفل بسرعة، موضحةً أنه حالياً تغيب المصادر الدقيقة والحقيقية عن الشبكات الاجتماعية، وتحل محلّها الأفلام الإباحية كأحد الوسائل المتاحة التي يلجأ إليها الطفل لتغذية فضوله عن الجنس.
وأوضحت أنه بعد لجوء الطفل إلى الأفلام الإباحية سوف يأخذ صورة غير صحيحة عن الحياة الجنسية، وتؤدّي إلى تدمير مفاهيمه عن الجنس، ولا سيما كون هذه الأفلام تجارية ولا تمس الحياة الجنسية الحقيقية بأي صلة.
وختمت قاسم بأن الطفل عندما تُحجب عنه معلومة ما، فإنه يحاول استخدام أدواته الخاصة للحصول عليها والتعويض، انطلاقاً من قاعدة “الممنوع مرغوب” لذلك فهي تنصح بإدخال مادة التربية الجنسية إلى المدارس وتثقيف الطفل جنسياً أمام أعين مدرّسيه و والديه.
المجتمع والدين
من جهته قال مدير تربية محافظة إدلب التابعة لوزارة التربية في “الحكومة السورية المؤقتة” ياسين ياسين: “إنه لا يوجد أي مانع أو مشكلة في إدخال مادة التربية الجنسية الى المناهج السورية” لكنّه شدّد على ضرورة ألّا تتعارض مع “تعاليم الدين وثقافة المجتمع”.
وأضاف ياسين لـ “صدى الشام”، أن الوقت حالياً ما يزال مبكّراً على الحديث عن إدخال مادة التربية الجنسية للمناهج الدراسية، وذلك بسبب أن هذا الأمر له خصوصية يجب دراستها ومراعاتها، إضافةً إلى أن المناهج السورية في هذه الفترة غير جاهزة، وغير مستعدة بسبب المرحلة التي تعيشها سوريا.
كما شدّد ياسين على ضرورة أن يتم تجهيز المجتمع السوري نفسياً للترحيب بهذه المناهج، وهذا الأمر يحتاج إلى وقت وجهد ومال لدراسة الأمر وتهيئة المجتمع ليتقبّل تدريس أولاده هذه المادة.