هيومن فويس- خاص
ترخي الحرب بأوزارها الثقيلة على مختلف نواحي الحياة الإنسانية والصحية، ولعل معظم من يرزخ تحت وطأة المعاناة هم الأمهات اللاتي يحملن أجيال المستقبل في أرحامهن.
ولان الحرب لا توفر كبيرا او صغيرا، وحتى الاجنة في الارحام، تقصت هيومن فويس، أكثر من حالة اجهاض ناتجة عن آثار الحرب، إذ تعتبر عمليات الإجهاض كارثة تضاف الى جملة الكوارث التي أصابت النساء السوريات خلال السنوات السابقة.
هيومن فويس، رصدت عينات من الحالات التي عاشتها بعض الأسر السورية، “فاتن”، وهي سيدة سورية من الغوطة الشرقية، بريف دمشق، تقول: مع انعدام أو انحسار اساسيات الحياة في مدينتي، بفعل الحصار والحرب، اضطرت معظم نساء وفتيات المنطقة للمكوث في المنازل بعيدا عن الجامعات والمدارس او مزاولة المهن والوظائف، وهذه الحالة، دفعت المجتمع على العموم، للجنوح نحو الزواج المبكر، وأنا كنت إحدى تلك الضحايا.
وتابعت السيدة العشرينية، تزوجت منذ سنوات في سن مبكر، وكانت الفارق العمري بيني وبين زوجي، لا يتعدى أربعة اشهر، وكلانا دون سن 18، وبعد زفافنا بقرابة العام ونيف، تعرضت بلدتنا، لهجوم كيماوي من قبل النظام السوري، وكانت عائلتي الصغيرة إحدى العائلات التي تضررت بفعل تلك الغازات، وتم إنقاذنا من قبل النقاط الطبية.
“وبعد مضي تلك الحقبة بحصارها وشحها، حملت بطفلي الاول، ولكن ما ان مضت أسابيع قليلة، حتى شعرت بآلام حادة، لم أكن أخشى حينها على جسدي النحيل، بقدر ما كانت مخاوفي ان يصاب الجنين بأي أذى، ولكن مع غياب الرقابة الطبية اللازمة والأدوية الضرورية، اكدت لنا طبيبة في المشفى الميداني ان ألمي الحاد المستمر منذ أيام، هو نتيجة وفاة الجنبين المصاب بتشوه خلقي على خلفية تأثري وزوجي بالقصف بالمواد السامة”.
وقالت “فاتن” لـ “هيومن فويس”: لعل وقع الخبر الصادم، بوفاة الجنين، لم يكن أقل من ما قد تعرضت له بعد ذلك، لشدة الضغوطات والمتاعب النفسية، و حالة المسؤولية التامة، التي ألقاها زوجي على عاتقي، وزعمه انني وراء عملية الإجهاض، واهمال صحة الجنين، رغم علمه بظروف الحرب، والقذائف التي لا مناص منها.
وبعد، أشهر على عملية الإجهاض “تقول فاتن انها “وبفضل مساعدة بعض الجهات الطبية المحلية، تم تأمين الأبر الخاصة بتثبيت الحمل، لتمضي أشهر، وتحين ساعة الولادة، إلا إن طفلنا، والذي اسميناه “عبد الرحمن”، لم يعش سوى خمسة أيام، ليرحل عنا متوفيا” ويخيم الحزن على الام التي شككت بقدرتها على ان تصبح أما من جديد، إذ اكدت اخصائية لفاتن ان ” هناك عدداً كبيراً من الأطفال المشوهين، بعضهم في الوجه أو الرأس أو الظهر أو القدمين، والبعض الآخر مشوّهٌ بعلامات في الجسم، مما يعكس زيادة عدد الأجنة والأطفال غير الطبيعيين والمشوهين” وترى أن ذلك ازداد خلال سنوات الحرب، مشيرة إلى أن “أكثر التشوهات في المناطق التي تتعرض لقصف مكثف أو بصورة متكررة وخاصة تلك التي شهدت قصفا بالسلاح الكيميائي”.

أولى تأثيرات ارتدادات الحروب تعود بنتائج سلبية على حياة الأجنة وتهدد مستقبلهم بشكل مباشر
يعزز الأطباء بالتأكيد على آثار المواد والغازات المنبعثة الناتجة عن انفجار القذائف الصاروخية والأسلحة المتفجرة، على الوالدين والاجنة، لا سيما في المناطق التي تعرضت الى للقصف بالسلاح الكيمائي كمدن ريفي دمشق الشرقي والغربي وريف ادلب.
الناشطة الحقوقية “آلاء نصار”، أوضحت لـ “هيومن فويس”: ان الحرب التي امتدت على مدار سبع سنوات أخذت من المرأة السورية ما لم تأخذه من أحد غيرها، إذ تعد هذه الفئة من أكثر الفئات التي ظلمت في الحرب السورية بحسب المتحدثة “لما حملته من هموم وعاشته من ويلات سواءا كانت أم شهيد، زوجة شهيد، مطلقة أو أرملة، وبالرغم من كل ذاك الثقل الذي تحمله الا اننا مازلنا نلاحظ اضطهادها في كثير من المناطق سواء المحررة او المناطق الداخلة ضمن سيطرة النظام”.
وتضيف “نصار”، ولا يمكننا أن نتجاهل جرم التهجير الذي عاشته معظم المناطق الثائرة والذي أثر على المرأة السورية بشكل أكبر من تأثيره على الرجل كونها تفكر بعاطفتها وقلبها لا بعقلها..فراق المنزل والذكريات والأحبة له أثر سلبي وهذا بدوره أيضا يمكن أن يؤدي لحالات إجهاض سببها نفسي بحت.

الظروف المعيشية المصحوبة بالرعب المستمر والحصار تؤثر سلباً على السيدات السوريات الحوامل مما يؤدي في حالات كثيرة لموت الأجنة قبل الولادة
فاطمة سليمان – 30 عاما، تقول انها كانت تعيش في الغوطة الشرقية وقد توفي طفلها ذو ال5 سنوات نتيجة القصف على منزلها، وعندما قررت الخروج مع زوجها في باصات التهجير إلى الشمال السوري كانت حاملا بشهرها الثامن تنتظر مولودها الثاني، الا انها وبعد انتهاء رحلة التهجير التي استمرت اكثر من 20 ساعة، وجدت نفسها غارقة بدمائها تودع جنيها الثاني قبيل فترة وجيزة على موعد الولادة.
تشير الأخصائية “سهام عربيني” لـ هيومن فويس إلى الآثار المتعلقة بالحرب والتي ليست بالضرورة ان تكون ناتجة عن السلاح، بل عن الحالة الصحية والمعيشية التي أوجدتها للناس، إذ بات السكان في مناطق عديدة يجدون صعوبة في الوصول إلى المراكز الطبية واستخدام العلاجات، وأهمها “حمض الفوليك”، الذي ينصح به الأطباء للحد من التشوه في الأجنة، وهو الامر الذي يؤثر سلبا على الحالة النفسية والصحية للمرأة.