أكتوبر 13, 2019 syr data

أرض فارغة تبحث عن منظّمة لتشييد “دار رعاية أطفال” في قباسين

صدى الشام – عمار الحلبي

اضطرّت مدرّسة اللغة العربية الشابّة السورية منال، لتقديم استقالتها في نهاية الموسم الدراسي الفائت، واختارت البقاء مع طفلتها وتقديم الرعاية لها، وذلك بعد عجزها عن إيجاد مكان آمن لوضع ابنتها فيه خلال فترة ساعات عملها الصباحية.

تشرح منال: “يعمل زوجي على شاحنة ضخمة، ويسافر بين قرى وبلدات أرياف حلب وإدلب والرقة والحسكة، وفي بعض الأحيان يغيب عن المنزل لعدّة أيام”.

في منتصف عام ٢٠١٧، وضعت منال مولودتها وسط فرحة كبيرة داخل عائلتها، لكنّها لم تكن تعلم أنّها سوف تضطر لاحقًا إلى ترك وظيفتها لرعاية الفتاة، سواء في مرحلة الحضانة أو حتّى بعد أن تتجاوز العامين.

لا دور حضانة حكومية

وعلى غرار منال، فإن جميع النساء العاملات سواء في بلدة قبّاسين أو البلدات المحيطة بها، يعانينَ من المشكلة ذاتها، لا دور رسمية حكومية لحضانة أطفالهنَّ، في حين أن الدور الخاصة وهي قليلة، طلبت من منال مبلغًا شهريًا يعادل راتبها، فقرّرت ترك العمل.

في مدينة قبّاسين، الواقعة في ريف حلب الشمالي الشرقي، ثمّة عشرات النساء الموظّفات اللواتي يعملنَ في مجالات الحياة المختلفة “وظائف حكومية، تعليم، خدمات عامة وغيرها”، تتوقّف الحياة المهنية لتلك النساء بمجرّد وضعن مولودهنَّ.

يقول أحمد الأحمد نائب رئيس المجلس المحلي في بلدة قباسين لـ “صدى الشام”: “نحن كمجلس لا نملك دور رعاية للأطفال”.

ويضيف الأحمد: “هناك روضات خاصة فقط، وأسعارها مرتفعة، لذلك قرّرنا افتتاح غرفة واحدة في كل مدرسة، نستقبل فيها الأطفال ولكن بأعمار محدّدة وهي أربع وخمس سنوات فقط (طفولة ثانية وطفولة ثالثة) وبمبلغ شهري رمزي يبلغ ألف ليرة سورية، أما الأطفال الذين عمرهم دون أربع سنوات فليس لدينا مكانًا لاستقبالهم”.

روضات خاصّة باهظة الثمن

كانت منال تضطر للانتقال يوميًا إلى مدينة بزاعة القريبة من قريتها قباسين، للذهاب إلى مدرستها والعمل هناك، وفي ذات الوقت تقع في حيرة يومية في بحثها عن مكان آمن تضع فيه طفلتها خلال العمل.

يوجد عدّة روضات في مدينة قبّاسين والمدن المحيطة بها، غير أن تكلفة هذه الروضات مرتفعة جدًّا، وهو ما حدث مع منال خلال محاولة تأمين طفلتها خلال عملها.

تقول: “وجدت روضة لوضع ابنتي فيها، ولكن التكلفة كانت ثمانية آلاف ليرة سورية مع عدا تكلفة المواصلات، ومع المواصلات يصبح كامل المبلغ ١١ ألف ليرة سورية، وهو مبلغ يصل تقريبًا إلى حدود نصف راتبي”.

وتتابع أنّها عندما وجدت التكلفة المرتفعة وتضاهي نصف راتبها، وبالمقابل لم تجد مكانًا آخر بسرعٍ مخفّض، قرّرت أخيرًا ترك عملها والبقاء في منزلها كربّة منزل.

تشرح منال، أنّها تعمل بسبب صعوبات الحياة الاقتصادية في الداخل السوري قائلةً: “أسعار كل السلع الأساسية ارتفعت، ولم يعد راتب زوجي وحده كافيًا لتأمين احتياجات الحياة لأسرتنا الصغيرة، وبالمقابل أنا خرّيجة من الجامعة ومن حقّي العمل في شهادتي التي تعبت حتى حصلت عليها.

وتوضّح أن الإجراءات والقوانين في الداخل السوري مازالت تعقّد عمل المرأة السورية، وتجعل مهمّتها في المشاركة بالحياة العملية صعبةً مقارنة بالرجال، الذين يحصلون على فرص العمل بسهولة، كما أنّهم غير ملتزمين برعاية الأطفال والأعمال المنزلية، مشيرةً إلى أن هذا الواقع لا يمثّل أي عدالة بين المرأة والرجل.

“مُرافِقة الأطفال”.. رحلة غير آمنة

لاحظت “صدى الشام” أن عدّة قرى وبلدات في ريف حلب الشمالي، تنتشر فيها مهنة “مرافقة الأطفال” وهو مصطلح كان يسمّى شعبيًا في مدينة حلب بـ “الخوجة”.

تقوم فكرة المرافقة، على وجود امرأة تكون طاعنة في العمر في غالب الأحيان، ولديها خبرة واسعة في التعامل مع الأطفال، حيث تفتح منزلها لنساء الحي العاملات لوضع أطفالهنَّ في منزلها على أن تتولّى هي رعايتهم داخل المنزل خلال ساعات عمل الأمّهات، على أن تحصل على مبلغ شهري بسيط يراعي الحالة الاقتصادية للمرأة.

غير أن نائب رئيس المجلس المحلي في مدينة قباسين أحمد الأحمد، لا يحبّذ هذا النوع من الخدمات قائلًا: “بالنسبة لي لا أجد من الحكمة وضع طفلي عند المرافقة”.

يعلّل الأحمد قراره بأن المرأة المرافقة للأطفال تقوم مهمّتها بشكلٍ رئيسي على “تسكيت الأطفال” وتقديم الطعام والشراب لهم وتأمين احتياجاتهم داخل منزلها خلال فترة عمل الأمّهات” غير أن الطفل في هذه الفترة لا يكتسب أي خبرة تذكر، ولا يتم تعليمه أي شيء جديد ولا يتم هناك تقديم التوعية والتربية والمهارات له، بخلاف ما يحدث في دور الرعاية والروضات المتخصّصة، التي تستغل وقت الطفل بتعليمه وتوعيته وتنشئته اجتماعيًا بشكلٍ جيّد.

ولكن ليس غياب تعليم الطفل هو المشكلة الوحيدة في وضع الطفل/ الطفلة لدى المرافقة الاجتماعية، إذ أن هذا الإجراء يُعتبر خطرًا في بعض الأحيان.

تقول أم وليد “اسم مستعار” وهي ربّة منزل في مدينة قباسين، سبق أن عملت لعشرة سنوات كأمينة سر في إحدى المدارس الابتدائية: “في بعض الأحيان يمرض الطفل خلال وجوده عند المرافقة، وقد لا تلاحظ المرافقة أنّه مرض وبحاجة إلى مستشفى، كما أن المرافقات في الغالب يستضفن أكثر من عشرة أطفال في ذات الوقت، وبالتالي فإنها حتمًا لن تكون قادرة على رعاية الأطفال جميعًا ومتابعتهم ومراقبة حركتهم بنفس الوقت”.

وتوضّح أم وليد، أن هذه المشاكل تحدث فيما لو تم افتراض حسن نية المرافقة، إذ أنّها من الممكن أن تضرب الأطفال أو تعنّفهم أو تفعل أي شيء آخر خطرٍ وخصوصًا عندما تقع بأي خلاف مع أهل الطفل.

أرض جاهزة تبحث عن منظمة للبناء

يبدو أن لدى المجلس المحلي في قباسين الحل لمشكلة عدم وجود دور رعاية لأطفال النساء العاملات، غير أن هذا الحل غير مكتملٍ حتّى الآن.

يقول رئيس المجلس المحلي في قباسين أحمد الأحمد لـ “صدى الشام”: “لدينا أرض من الأملاك العامة، تقع في منطقة هادئة داخل المخطّط التنظيمي لمدينة قباسين، وهي مناسبة جدًّا لتشييد روضة أطفال ودار رعاية لهم”.

يضيف الأحمد أن الأرض جاهزة ولكن المجلس حتّى الآن لم يجد أي منظمة لبناء الروضة عليها، إذ أن المجلس يحتاج إلى منظمة تبني الروضة وتشتري المعدّات الخاصة بها لتكون متاحة أمام جميع سكّان قباسين بمبالغ شبه رمزية مع رعاية فائقة الجودة.

وتعهّد المجلس المحلي في قباسين، في رسالة خاصّة موجّهة إلى “صدى الشام” بأنّه جاهزًا لتقديم الأرض سالفة الذكر لإقامة مبنى رياض أطفال في مدينة قباسين، وتقع الأرض بشكلٍ ملاصق لمدرسة عز الدين القسّام والعائدة ملكيتها للصالح العام، رقم المحضر ٢٣٩ وتبلغ مساحتها ٣ آلاف متر مربّع.

يتابع الأحمد: “نحتاج إلى جهة تتكفّل بإنشاء الروضة بالإعمار والأدوات والمعدّات، ونحن بإمكاننا تغطية رواتب الموظّفين والمدرّسين عن طريق مديرية التربية”، موضحًا أن المجلس جاهزًا لتقديم دراسة أولية مفصّلة لأي منظمة تبدي استعدادها لتبنّي المشروع.

وعن الخطة الموضوعة لهذه الروضة بعد التشييد أجاب الأحمد: “سوف نستقبل فيها الأطفال الذين يبلغ عمرهم ٤ و٥ سنوات، كما سوف نجهّز غرفًا خاصّة باستقبال الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين شهرين و٤ سنوات، على أن تكون مجهّزة بأدوات قادرة على تنمية وتنشئة هؤلاء الأطفال.

وريثما تتوفّر المنظّمة التي سوف تتبنّى مشروع تشييد الروضة، تأمل منال في تأمين مكانٍ آمن، يضمن لها سلامة طفلتها من أجل العودة لممارسة حقّها في العمل، حالها كحال النساء في جميع دول العالم.

تم إنتاج هذه القصة الحقوقية بدعم من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR وصندوق الأمم المتحدة لدعم الديمقراطية UNDEF

%d مدونون معجبون بهذه: